جُرح الانهزامية و مظلومية الانتصار .. الفكر العربي بين مسارين ..

Photo

نص لأبنائي الشباب

بعد كامب ديفيد ثم الخروج الحزين للمقاومة الفلسطينية في 1982 كان الشاعر العظيم خليل حاوي يطلق الرصاصة على صُدغه و كان حبيبنا درويش ينتحب دمعا و دما :"آآه يا وحدنا" .

و في نزل سلوى ببرج السدرية أو في فيلات واد الزرقاء كان مقاتلون فلسطينيون يشربون كمدا على نخب الانكسار على صوت كل سردية "الوجع" من مظفر نواب الى كل المدونة الجميلة الموجعة التي تُريح جراح المنهزم بجماليتها الراقية التي نتذوقها باستمتاع لكنها تتحول دون شعور الى أفيون ذات بلا أفق.

في تلك اللحظات نفسها كان حفنة من الشباب اللبناني يلتقي في شقق الضاحية و حسينياتها و مصلياتها حول قيادات معلومة و يستجدون تدريبات عسكرية على السريع من رفاقهم الأكبر سنا ممن استفادوا من تجربة سابقة مع الفصائل الفلسطينية المغادرة . كان عماد مغنية الفتحاوي و الشيخ عباس موسوي المُعمم و غيرهما كثير و كان اقدام على جبل "بقادوم" و أمل كبير دون حاجة الى آهات "يا وحدنا".

و في مكان آخر كان الفلسطيني الشاب المهندس فتحي الشقاقي الناصري الوحدوي نشأة ثم الاسلامي المنبهر بثورة الخميني مُراجعة يُعد مع ثلة من شباب فلسطيني آخر مرتكزات تنظيم "الجهاد الاسلامي" ليضع "العين العزلاء" في مواجهة "المخرز" دون كثير نُواح على "مصير أمة" موعودة للهزيمة التي يبكي من أجلها الشاعر و يشرب كالاسفنجة و لا يسكر ليمتعنا بجميل شجنه.

رؤيتان للتعاطي مع لحظات الانكسار ظلت تلازم باستمرار فكرا و ذاتا و ثقافة عربية منقسمة بين جرح الانهزام و مظلومية الانتصار .

بعد هزيمة حزيران كانت سردية وجع رهيب في الفكر و الابداع العربي الى درجة الاحساس بان هذه الأمة لن يكون مكتوبا عليها إلا الانهزام .

كان جلال العظم ينقد الفكر الديني ليصفي حساب الامة مع الاسلام و تحول القومي العربي الى "المادية الجدلية" التي ستحرر فلسطين (تشكل الجبهة الشعبية و القرار بالتحول من الناصرية الى الماركسية اللينينية) ليصبح التنظيم المقاوم بمنجل و مطرقة و يصبح البعثي علمانيا الى درجة أن يصرخ المؤسس ميشيل عفلق قبل أن يغادر قاعة المؤتمر "هذا ليس بعثيا" .

سعد الله ونوس و غيره من المبدعين حولوا ركح المسرح و دواوين الشعر و أوراق الروايات الى مناحات تعصف بالأمة و مشاعرها رغم جمالية ذلك الابداع و دوره في الصدمة .

و في سياق شبيه كان "اخوان قطب و البنا" و بعد "عنتريات" مجانية مع عبد الناصر و باقي "الدولة الوطنية" يكفرون المجتمع "الجاهلي" كله و يستعينون "بخادم الحرمين" في مكة لإنتاج "شعب و أمة أخرى" غير هذه الأمة "المهزومة".

لكن في مقابل هذا "الانجراح" المتوتر للنخبة كان هناك مناضلون من ابناء الشعب البسيط يخوضون حرب الاستنزاف على الجبهة و يكبدون العدو خسائر نغصت عليه "نصر 1967"

نعيش اليوم في عزة و سطوة ذاك الشباب المؤسس في الثمانينات ..حزب الله ..الجهاد ..حماس .القيادة العامة ..ذاك الشباب الذي أسس و لم ينتحب فحقق انتصارات في جنوب لبنان و غزة و أنتج معادلة رعب و توازن ستنجز التحرير .

لكن مخصيين سياسة و فكرا و عملا و انجازا يواصلون بكائيات الانهزامية و يرفضون الاعتراف اننا موعودون بالنصر سابقا و لاحقا بهؤلاء الرجال الرجال ..ذاك قدرنا المقرف مع "المختونين" كما يسميهم صديقي الشاعر بحري عرفاوي.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات