حي على الفلاح …التأسييييس خير من الوهم .
كلما انكشف صراع "ائتلاف اللوبيات" الحاكم على فضيحة فساد في سياق تحسين شروط التسويات بين شقوقهم انبرى كثير من الصادقين من أبناء شعبنا الكريم و بتوجيه خفي من صانعي الرأي في مشهد "الديمقراطية الشكلانية الخاوية" الى نثر أحلامهم الرومانسية على رؤوس الاشهاد في قرب الايقاع بمنظومة الفساد المرسكلة التي تمترست في الحكم بعد ارتباك مؤقت بين 2011 و أواخر 2012 .
بعد قرابة 8 سنوات من حدث 17 _ 14 لم يعد من المسموح به لذوي العقل و البصيرة أن يكونوا ضحايا لمغالطات طبقة سياسية و اعلامية مستفيدة من صناعة مخرجات حدث تاريخي بقطع النظر عن "شرعية" حدوثه .
لم يعد مخجلا القول بأن حدث الخلاص من عبء "رأس منظومة الفساد و الاستبداد العميلة المسمى "ثورة" " كان حلا "دوليا" لمنع ثورة وطنية شعبية حقيقية في البلاد و تسويغا "أخلاقيا" لترتيب جديد في المنطقة رأينا نتائجه دما و دموعا بين سوريا و اليمن و مصر و ليبيا و رأيناه في تونس رسكلة سلمية خبيثة لأبشع منظومة ارتهان و فساد و تعذيب و استقلال مطعون فيه.
لاشك أن الصورة السياسية التي بدأت محاولات نسجها مند صبيحة هروب المخلوع قد شهدت لا محالة مخاضا و ارتباكا و اختبارا للبدائل من طرف المسؤولين على نسجها كما قد تكون شهدت انفلاتات "ثورية وطنية" كان من نتائجها المخرجات غير المتوقعة لانتخابات 2011 و لكن الأمر سرعان ما تم تداركه بكل الصيغ في حدود 2013 بعد بروفات دموية ذهب ضحيتها شهيدان من زعماء الحركة الوطنية (بلعيد و البراهمي) و عدد من الجنود و الأمنيين الشرفاء و بعد استقطابات مصنوعة بشكل جيد لترتيب طبقة سياسية جاهزة للتوظيف .
كانت مخرجات حوار باريس و انتخابات 2014 خير تتويج للعودة الى الصورة كما تم ترتيبها للبلاد في مكاتب "الربيع العربي" : انتقال ديمقراطي بشراكة أكبر القديم و أقوى الجديد و بسقوف محددة يمنع فيها تفكيك الملفات الكبرى لمنظومة "القتل" و "الاستقلال الشكلي" و "الفساد الهيكلي المرتبط بهيمنة القوى الاستعمارية الكبرى" .
لا لمعالجة الجرائم الكبرى للدولة البورقيبونوفمبرية و لا لفتح ملفات الاستقلال المنقوص و لا لفتح ملفات الاستغلال الاستعماري للبلاد و لا للسماح للقوى و الشخصيات غير "المضمونة" بالتحول الى أطراف سياسية فاعلة يمكن أن تهدد ارتهان القرار الوطني أو تغير الاصطفافات الاستراتيجية الدولية للبلاد .
تلك هي ضمانات المشهد "الديمقراطي" مهما شهد من سخونة الصراع بين "أطرافه الوظيفية" من كومبارس السياسة و الاعلام و المنظمات المدنية و الشخصيات الفاعلة بمن فيها كثير من المحمولين أحيانا على ما يسمى "بالثوريين" لزوم "صدق المشهد" . و لهذه الأسباب فان الاوهام التي يحاول البعض نشرها من صراع الشاهد و حافظ ليست أكثر من حصر الاهتمام و البدائل في المشهد المزيف السائد حاليا بشخوصه و اعلامه و احزابه كلها .
دون تحديد لطبيعة ما جرى في و لحدث و بحدث 17_14 ضمن هذه القراءة الواقعية رغم مرارتها سيظل الصادقون ضحايا "التسخين و التبريد" المصطنع في مشهد سياسي متحكم فيه .و عندها سيتأخر لوقت طويل ما يجب ان يكون من ضرورة الاتجاه قدما و بلا تردد الى اعداد مقومات التأسيس الفعلي لتونس الجديدة عبر اعداد شروط التغيير الجذري الحقيقي بمضامينه الوطنية الحقيقية بعيدا عن زيف "الحدث المغدور" .