تحييد الاقصيين لصناعة الفرادة التونسية ..
(اقرا و علق بنقاش فكري و دعنا من الجملة الشعاراتية رجاء)
لم تشهد تونس بعد 2011 مجرد استقطابات ايديولوجية او ثقافية فقط بل عاشت باستمرار على ايقاع انقسامات اربعة كانت تعيشها باستمرار منذ نشأة الدولة الوطنية (دولة الاستقلال او الدولة ما بعد الكولونيالية بحسب زاوية نظر مستعمل التسمية ) .
مسارنا التاريخي ماضيا و راهنا هو مسار رتق هذه الفتوق الاربعة :الوطنية او الاستقلالية في مواجهة خيار التبعية او الاعتماد …العدالة الاجتماعية او الديمقراطية الاجتماعية في مواجهة الانقسام الطبقي الحاد …وحدة المجال الوطني او التفاوت الجهوي اي انقسام مركز و هوامش ..الهوية الوطنية العربية الاسلامية في مواجهة مزعم الكوسموبوليتية او المحلية القطرية المزعومة .
انقسام الانقسامات او رأسها ..قطبها او خلاصتها يتجلى باستمرار في الاستقطاب السياسي بين مساري الدمقرطة و الشراكة التعددية في القرار من جهة و الانغلاق و التسلطية من جهة اخرى .
هذا الانقسام يحكم عمق الدولة و السلطة نفسها التي تعيش باستمرار في رحمها صراع تيار الاستيعاب او الانفتاح مع تيار التسلط و الشمولية و الانغلاق .ايقاع الصراع في عقل الدولة العميق بين هذين التيارين منذ 1956 هو الذي يفرز صراع التيارين نفسيهما في رحم المعارضة التي تنحو تارة في خطها الغالب الى الاصلاحية حين تبدو على عقل الدولة ملامح انتصار تيار الاستيعاب و الانفتاح و تذهب الى الراديكالية حين تنكمش السلطة و تتصلب و ينتصر فيها خط الانغلاق .
كتبت في 2009 سلسلة من المقالات حول غلبة الخط الاصلاحي في المعارضة التونسية منذ نشاة برسبكتيف اليسارية مرورا بظهور الاصلاحية الاسلامية وصولا الى حركة 18اكتوبر و تحالف المواطنة و المساواة و ابرزت ان نزوع "الردكلة" او " سردية الثورة على النظام " هي استثناء في تاريخ المعارضة التونسية ينحصر في تنظيمات حلقية اقلية و يقترن بمرحلة عمرية من سن " الناشط السياسي " و ابرزت ان تصلب السلطة و انتصار خط الانغلاق داخلها هو الذي ينمي عادة استثناء الردكلة و مقولات القطيعة و الثورة على النظام حين تبدو الدولة رهينة لخطها الثاني اي خط الانغلاق الذي " لا يصلح و لا يصلح " .
في مقالي " انتقال ديمقراطي في سياق تحول ثوري " الصادر في صحيفة الشروق اوائل 2011 بعد اقل من شهر من هروب المخلوع ابرزت ان ذهاب راس منظومة التسلط بتلك الطريقة في التقاطع بين حركة امنية من داخل عقل الدولة (تسفير المخلوع عشية 14جانفي ) و حركة الحشود ثم التدرج بين فصول دستور 59 لادارة المرحلة الانتقالية (الاصلاحوثورية) هو انتصار مزدوج لتياري " الاصلاحية الوطنية" الكامنين دائما في عقل الدولة و رحم المعارضة في نفس الوقت .
تطل هذه الايام كما في تاريخنا دوما نزوعات الانغلاق و التكلس من بقايا التيار المهزوم في عقل الدولة و يتجلى ذلك في شراسة لوبيات الفساد و الاستبداد و عصابات الاستئصال من المتضررين من " الانتقال الاصلاحوثوري" و يتجلى ذلك النزوع باستمرار في لبوس استعمال المهووسين الايديولوجيين و الثقافيين او في زعم الانتصار للانتفاض الاجتماعي و ركوب و افساد التحركات الاجتماعية او حتى انتصارات الوطنية العربية في سوريا مثلا لاستغلالها في كسر المسار (اعتماد الضدنهضة الخطاب المميز للعقلية البوليسية لتيار التصلب في عقل الدولة) . في المقابل ينمو بشكل طردي كما في التاريخ التونسي خطاب الردكلة الثورية و مقولات القطيعة البائنة مع كل موروث الدولة الوطنية و رجالها و مكاسبها باسم ثورة سبعطاش اربعطاش بما يظهر و كانه رد فعل على استعصاء عقل الدولة العميق عن القبول بالإصلاح و الثورة.
و بهذا يلتقي الاقصيان : تيار الانغلاق في عقل الدولة مع تيار الردكلة العبثي لدى انصار سبعطاش اربعطاش فيلتقي الاقصيان لكسر النقلة الديمقراطية بتوجيه خبيث و ذكي من الحلفاء الموضوعيين للردة و الثورة المضادة بوعي و تخطيط من المهندسين من حماة الفساد و الاستبداد و الخائفين من استقرار الديمقراطية او عن غباء من طهريي الثورة او من الدواعش المتربصين .
ذاك منهجنا في قراءة المشهد و تموقعنا فكريا و عمليا بين الغامه …تنمية الاصلاحية الوطنية …مرحبا بالقصف من الجهتين فنحن نسلك الطريق وحدنا و لو كان موحشا .