السياقات الدولية و الاقليمية للثورة التونسية في 2011 هي مختلفة تماما على هذه السياقات و نحن في 2017 .
عندما خلع الشعب التونسي بشكل مفاجئ رأس منظومة استبدادية تحولت الى عبء مزعج على رُعاتها الدوليين و حين تمكن الشعب المصري من خلخلة نظام كامب ديفيد قررت دوائر "الديمقراطيين الأمريكان" أن الوقت قد حان لتفعيل استراتيجيتها في "دمقرطة "العالم العربي .
تم اخراج المشروع المعروف من الدرج .تحول سياسي يعيد ترتيب خارطة المنطقة على قاعدة مزيد من "التعددية" العرقية و المذهبية و الايديولوجية ضمن ديمقراطية شكلية يتم تحديد سقوفها "الوطنية" و يتم بمقتضاها التخلص من "استبداد تقليدي" لم يعد وظيفيا ويتم تسوية "الصراع العربي الاسرائيلي" باقحام "الكيان الصهيوني" في شرق أوسط جديد متعدد و مفتت يتيح استيلاء المعسكر الأمريكي على المنطقة في مواجهة القوى الصاعدة في آسيا و تالق المقاومة الاسلامية من لبنان الى فلسطين .
تم بسرعة استكمال "الثورة" في ليبيا بطائرات الناتو و تسوية الحراك في اليمن ثم كان الانطلاق نحو سوريا بيضة القبان .كان المطلوب وقتها نموذجا تونسيا مدعوما و مخبرا يتم فيه اقحام الاسلاميين "الديمقراطيين" في مشهد سياسي مع "علمانيين" بلا أفق تحرر وطني . ليكون هذا النموذج متحكما فيه و مطمئنا في نفس الوقت لشعوب يحضر لديها الهاجس الهووي جنبا الى جنب مع هاجس الدمقرطة و مطالب العدل و الرفاه و بناء "دولة مدنية عصرية" تقطع مع مظاهر الاستبداد التقليدي و الفاسد و المعادي للحريات الدينية .
اختلطت الأوراق بسرعة غير متوقعة و تداخلت الصراعات الداخلية بين الاسلاميين و العلمانيين في تونس و مصر و بين المناطق و القوى في ليبيا و اليمن . تصادمت القوى الاقليمية المنخرطة في هذا "المشروع" باعتبار توجسها من بعضها البعض و لم ينجح الراعي الأمريكي في ضمان شراكتها موحدة بنفس الحماس دائما (تركيا و قطر من ناحية و السعودية و الامارات من ناحية اخرى.)
من جهة أخرى انقلبت الأفعى "الداعشية" على رُعاتها و أصبح لها أجندتها الخاصة و المخيفة لحلف "الربيع الأمريكي " كله من اتراك و امريكان و خليجيين .
و لكن الاهم من ذلك كله أن "المشروع" تعطل في سوريا بل ذهب بالمنطقة الى عكس ما سطرته "أمريكا أوباما" حيث أعطى الحدث السوري ألقا للمحور المقابل و رسخ تحالف دوله و أبرز قوته (روسيا .ايران .حزب الله.)
تغيرت أجندة الأمريكان سريعا و لم يعد للنموذج التونسي وظيفة فقد تغير المشروع من "الدمقرطة" الى تحشيد التحالف في مواجهة محور المقاومة و بذلك يصبح المطلوب اليوم هو "التصدي لايران" عبر حلف "سني" ترعاه المجامع "الفقهية" في تل أبيب و واشنطن .
في هذه السياقات برد الدعم للتونسيين و انتقالهم إلا من تدخلات أوروبية أو غيرها في الاحزاب و الجمعيات و مفاصل الدولة للتمكن من التأثير انطلاقا من المنصة التونسية في الشأن الجزائري و الساحة الليبية .
سياقات الوضع الحالي هي سياقات الحرب القادمة حتما في الشرق الاوسط و في هذا الاطار سيكون السؤال المطروح على القوى التونسية من اسلاميين و علمانيين قدماء و جدد :أين نريد أن تكون تونس في هذه الحرب ؟ و لن تنجح هذه القوى في حماية نفسها من أرذل المواقع إلا بانتقال ينجزه التونسيون بعمق وطني و حصانة شعبية.