"ما بعد الوطنية" أو "ما فوق القُطرية" في فكر التيارات العربية الكبرى

Photo

مقدمة نظرية حول الولاء "الخارجي".

مفهوم "الوطن" أو "القُطر" ضعيف في السرديات الكبرى للاصلاحية العربية منذ نشأة "الجمعيات" وهي الاسم التقليدي للأحزاب في النصف الثاني من القرن 19.

الاهمال كان مشتركا بين الزعامات الحديثة للمعلمنين و الزعامات التقليدية للإسلاميين في المغرب و المشرق العربيين و تواصل كامل النصف الأول من القرن العشرين رغم سقوط الخلافة.

الحزبية "القُطرية" أو "المحلية" كانت تتم باستمرار في المدارس السياسية العربية بفكر تتوزع "بعد قطريته" على فكرة "الجامعة الاسلامية" كما تبلورت مع رشيد رضا تلميذ الافغاني و عبده أو على فكرة "المجال العربي" كما ظهرت لدى "القومية الناهضة" عند الشوام كما تبلورت ملامحها في "أم القرى" للكواكبي أو حتى في فكرة مجال أدنى لكنه فوق قُطري مثل "سوريا الكبرى" مع أفكار "القومي السوري" أو "المغرب العربي" مع قادة الاستقلال في الأقطار المغاربية في الأربعينات.

معطيات كثيرة تُفسر هذا "النزوع" ما بعد القُطري و ملامحه و قد أطنب في تحليلها بامتياز المفكر المغربي علي أومليل في كتابه "الاصلاحية العربية و الدولة الوطنية".

أعتبر شخصيا أن العامل الأساسي لهذا الضمور لفكرة القُطر أو الوطن هو جغراسياسي ثقافي عقائدي يؤكد بالوقائع ماضيا و حاضرا أن هذه المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي بل حتى وصولا الى المحيط الهادي (الوطن العربي أو العالم الاسلامي) هي فعلا منطقة "واحدة" يتم التعامل معها "استعماريا" و "تخطيطا" ضمن هذه الوحدة و يبدو أن تحررها لن يكون إلا ضمن هذه الوحدة بقطع النظر عن الاختلاف في صيغ هذا "التوحد" .

المابعد قطرية أو المابعد وطنية تواصلت في سرديات التيارات الكبرى "المُعارضة" لدول "الاستقلال القُطري" بعد الخمسينات . التيارات الاسلامية و الاشتراكية و العروبية ظلت تتحرك بدورها ضمن رؤى تأسيسية لا تعير كثير اهتمام للقطرية أو الوطنية القطرية .

لم يكن موضع "استهجان" أو "تجريم" أخلاقي في المشهد السياسي العربي و الاسلامي أن يكون "الاشتراكي" التونسي أو المصري مثلا شريكين مع عرب آخرين في "أممية سياسية" عابرة للقطرية أو يكون التنظيم العروبي في القطر الفلاني عضوا في "القيادة القومية" أو "الرابطة العربية" للأحزاب البعثية أو الناصرية أو أن تكون الحركة الاسلامية في البلد العربي الفلاني منخرطة في "التنظيم العابر للقطرية" .

الدول "القُطرية" نفسُها لم تنجح في الترويج "لقومية أو وطنية" محلية بل كان جهدها ذاك مرفوضا و مستهجنا عند التيارات الكبرى المعارضة لها .فالقطرية و الاقليمية و الانعزالية عن "الأمة" و "الوطن العربي" أو "العالم الاسلامي" كانت "علامة عمالة" هذه "النظم كما تسميها المدارس الكبرى المعارضة لها.بل ان هذه الدول القطرية نفسها لم تلتزم بوطنيتها القطرية فكانت اما عروبية قومية أو تابعة للمعسكر الغربي أو الشيوعي أثناء الحرب الباردة.

العلاقة بما فوق القُطري كانت تمر على "اختبار واحد" هو علاقة "ما بعد القطرية " التي يتبناها هذا الطرف أو ذاك مع "الصهيونية" و "الامبريالية" و "الماسونية".

الأحزاب "الشيوعية" العربية في الاممية السوفياتية كانت مثلا تهمتها انتماؤها الى أممية تعترف بالكيان الصهيوني. "الاخوان" نقبوا في علاقاتهم بالانجليز .لم يكن المرفوض اذن هو "ما بعد القطرية" أي العلاقة "بالخارج " عربيا كان او مُسلما فذلك موضع فخر بل العلاقة "بالعدو" .

و لنا حديث لاحق في "وضع القُطرية" في عصر الثورات.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات