الانتصار على الظلام ليس بأنوار المزيفين ..

Photo

مثلما يعاني خطاب الهوية اللازم في كل مشروع تحرر وطني شامل من مشوهيه الماضويين الذين يحولونه إلى خطاب مرعب و حاجب للروح التحررية للإسلام ..فإن خطاب المعاصرة اللازم في مشروع التحرر الوطني الطامح للكونية يعاني بدوره من حداثويي الالحاق الاستعماري الذي تجسده تلك الصور الموتورة و المضحكة لهذه الشخصيات الباتولوجية ألكارهة لذاتها..

صور الساجدات على صورة الزعيم بورقيبة في مظاهرة اليوم لا تقل اضحاكا عن صورة تلك العدادة ذات اعتصام روز بالفاكية و هي تمشي ذهابا و ايابا مرددة : يا كنزة بنيتي لشكون باش نخليك ..يا كنزة بنيتي لخوانجية ربحو في الانتخابات ..يا كنزة بنيتي غدوة تولي جارية عند راجل مع اربعة نساء ...تتذكروها والله برجولية سبعة سنين رينا فيهم العجب في تونس ...بربي يزي من الفدلكة و الله الوقت يجري راهو و الشعوب الأخرى فاتتنا ما يجدش عليكم فازة احنا شعب الله المختار ..

وجبة الدم التي اثخنت في جسم الأمة على امتداد هذه السنوات بايادي التكفير الإسلاموي الإرهابي ...المؤامرات التي يديرها الحلف الصهيوامريكي على قوة الصمود و المقاومة و شرعها و تورط فيها سياسيا و اخلاقيا إسلاميون عملاء بعضهم رجعية حاكمة و بعضهم أدعياء معارضة و ثورات ...مظاهر الاستقواء بالحشود و الكثرة التي مارستها قوى تتبرقع بشعار الإسلامية و المقدس و الثورية التي أرعبت المجتهدين و العلمانيين و المبدعين و الأقليات الثقافية و الاجتماعية المختلفة ..

كل هذه الأجواء التي زيفت و أفسدت و اخافت من مسارات التحول و الانتقال في تونس و عالمنا العربي منحت الحياة و ارتفاع الصوت من جديد لقوى التدخل الاستعماري و بيادقها الثقافية و الفكرية و لانتهازيي المنظومة القديمة و كلاب حراستها الفكريين بلغة بول نيزان.

الأنكى من ذلك أن هذا الدم و الخيانات و غرور الكثرة المرعبة التصقت بالإسلام فأعادت من جديد تيارات الاسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام ) و رفعت من منسوب المركزية الغربية المتعالية و عمقت لدى المثقفين العرب و التونسيين من ديمقراطيين و تقدميين مزاج كره الذات و احتقار الحضارة العربية الإسلامية عقيدة و ثقافة لتستعيد من جديد مناهج تحديث الاستنساخ و الالحاق القسري بقيم كونية مزعومة ليست أكثر من قيم عولمية نيوليبيرالية يتم اعتمادها في الجيل الخامس من الحروب على الشعوب لتفتيت المواد الأساسية الخام اللازمة لوحدة الجماعات و الامم بما هي وحدة ضرورية للنهوض الذاتي و الحصانة و التحرر من الاستعمار و الهيمنة الغربية التي لم تتمكن شعوب ناهضة في أمريكا اللاتينية و شرق آسيا و أعماق افريقيا من مواجهتها إلا حين ميزت بين حقها في تنمية و تحصين خصوصيتها و حقها في التمييز بين الكونية الإنسانية الحقيقية و التنميط العولمي الاستعماري.

صورة الإسلام المسجون و المشوه بين أيادي الارهابيين و اسلاميي المختبر الاستعماري مكنت زنوج الرجل الابيض من مثقفي الالحاق و التطبيع و تخريب هوية المجتمعات من رفع الصوت مجددا لانتهاك الروح و القيم الذاتية لشعوبنا كما ينتهك قرارنا الوطني و ثرواتنا و أراضينا لتتحول شعوبنا بشكل نهائي عبيدا للمركز الغربي ماديا و رمزيا .

زنوج الرجل الابيض هو المصطلح الذي أطلقه هنتغتون في كتابه صدام الحضارات على مثقفي الشرق الذين يتولون منذ عقود القرار السياسي و الثقافي في الدول ما بعد الكولونيالية لتمرير مشاريع الاستعمار الجديد باسم التحديث و اللحاق بالغرب بما هو كعبة الحداثة و قبلة التنوير لكنهم لم ينتجوا في المقابل غير مجتمعات هجينة لا هي ذاتها و لا هي غيرها بهويات معطوبة و مشوهة و بقدرات هشة بل منعدمة على مقاومة رياح الاقتلاع و التيه و سرعان ما يتمكن منها كل من يريد تشكيلها سواء كان إرهابا و تكفيرية و رجعية أو عمالة و صهينة و تخريبا قيميا .

المثقفون العضويون و الحداثيون الحقيقيون المعنيون بتحصين شعوبهم من الظلامية و الدموية هم من يقرأون جيدا كيف نهض غيرنا و تخلفنا ليكتشفوا أن لا نهوض إلا باستثمار أدق الطاقات في الذات و الخصوصية و الهوية الفعالة و حسن الإمساك بقيم الكونية الإنسانية التي راكمها الإسهام العادل و تفاعل الحضارات على مر التاريخ .

اما من يتوهم بأن مواجهة الهويات القاتلة في تاريخنا و حضارتنا لا يكون إلا استنساخا و خضوعا لمخططات الجيل الخامس للحرب الاستعمارية على عقول الشعوب و ارواحها فلن يكون أكثر شرفا من ارساليات التبشير و الاستشراق و المثقف الاستعماري المخبر من حركية الاستعمار و زنوجه بل سيكون مجرد جاهل امي غير عارف حتى بما راكمه الفكر الغربي النقدي المستنير من الفلاسفة الجدد الاحرار و الاثروبولوجيين الثقافيين الذين يدعون من داخل الغرب نفسه إلى حق الشعوب في فك الارتباط مع مركزية أوروبية يهومسيحية متصهينة و لبرلة استغلالية تريد جر العالم كله إلى هاوية انهيار غرب دموي مادي يلفظ أنفاسه و يستنزف ما تبقى فيه من روح و قيم .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات