دعا برهان بسيس القيادي في نداء تونس منذ سويعات في تدوينة على حسابه إلى حكومة تكنوقراط تقود البلاد قبل انتخابات 2019 و يهمني أن أتفاعل معه بالملاحظات التالية :
أولا :اتفق مع برهان في مبررات الدعوة إلى إقالة حكومة الشاهد التي يتراكم فشلها ذاتيا و موضوعيا و تزداد عزلتها حتى عن الأطراف التي شكلتها ما يجعل استمرارها عبئا حقيقيا مهددا لاستقرار و فاعلية الدولة و واجباتها تجاه مواطنيها نظرا لاشتداد الصراع بين اللوبيات و مراكز النفوذ و أجنحة الإدارة المنقسمة حول الشاهد و حكومته .
ثانيا :لكن دعوة برهان جاءت مجردة من كل نقد ذاتي لمسؤولية حزبه في حالة العطالة و الانسداد التي وصلت إليها حكومة "ابنهم الضال" كما وصلت إليها حكومة الصيد و دون مساءلة "عهدهم" التوافقي بقطع النظر عن الفشل المعمم لكل الطبقة السياسية منذ 14 جانفي في استثمار الديمقراطية لبناء الحد الأدنى للبرنامج الوطني الذي يحقق للتونسيين الحد الأدنى من انتظاراتهم .
ثالثا : وضع الاستقطاب السياسي الذي تعيشه البلاد بين التيارات و القوى السياسية و الإيديولوجية و اللوبيات المالية و الجهوية بالإضافة إلى حالة الوصاية و انتهاك القرار الوطني فضلا عن اختراق الصراع و الاستقطاب لأعماق الدولة و الإدارة سيجعل من الصعب على أي حكومة ذات بعد حزبي و سياسي واحد أو ثنائي أن تنجح حتى لو خرجت من استحقاق انتخابي نظرا إلى أن الوضع لم يبلغ و لن يبلغ قريبا درجة الاستقرار الديمقراطي بين حكم و معارضة .
بناء على هذه الملاحظات أستخلص :
إن المرحلة فعلا تدعو إلى حكومة "إجماع وطني" يطمئن إليها كل الفاعلين السياسيين و يستعيد في ظلها الناس ثقتهم في الدولة و السياسة و يتنازل فيها "الحزبان الحاكمان" عن "حقهما" في الانفراد بإدارة شأن سياسي بدا واضحا في الانتخابات البلدية الأخيرة أنهما يديرانه بمخرجات "الصندوق" فعلا و لكنه صندوق لم يذهب إليه إلا ما يقارب ربع الناخبين و أقل من عُشر السكان و لم ينالا منه إلا قريبا من النصف مما يعني أن المشهد الأقل نفسه منقسم .
لكن حكومة الإجماع الوطني لن تكون في رأيي حكومة تكنوقراط في سياق وضع تونسي بلغ فيه "التسيس" الأسنان مما يجعل كل الكفاءات أو الإداريين أو كوادر الدولة منخرطة بشكل أو بآخر في سياق سياسي محلي أو دولي يكون فيه الحياد التكنوقراطي مجرد "حيلة بيداغوجية" للانتقال من حكومة "شاهد " خرج عن الطاعة إلى "آخر " يتوافق عليه نفس "الحزبين " الحاكمين دون أن يبدو محسوبا "عليهما".
الحل حسب رأيي في "حكومة وحدة وطنية" لمدة طويلة بقطع النظر عن الموعد الانتخابي القادم و تضم كل الأطياف و الأحزاب و التيارات على قاعدة برنامج الحد الأدنى الوطني الذي تصاغ مفرداته على "ورقة بيضاء" تحت رقابة البرلمان. و هذا عنوان وطني ممكن و غير طوباوي لمرحلة تحيط فيه بالبلاد مخاطر داخلية و إقليمية تهدد وجودها أصلا .
لقد راكمت التجربة العناوين المادية للبرنامج الوطني في مقاومة الفساد و إصلاح الإدارة و استرجاع الثروات الوطنية و دفع الاستثمار للحد من البطالة و الاختلال الطبقي و الجهوي بقيادة طبقة سياسية واسعة أي كتلة تاريخية وطنية تلتزم باستقلال القرار الوطني و البحث عن التسويات فيما يتعلق بالخيارات الثقافية و التربوية للبلاد .