و هل معارضتُه حقد أو مغامرة عاطفية و عداء للوطن ؟
ليس ابشع لأطراف حكم من بطانة سوء تمدح على طريقة أذرع الدعاية في عهود الاستبداد . و ليس اكثر حمقا من اخفاء أصحاب الرأي المخالف من داخل أحزاب الحكم لآرائهم على أتباع مضللين .و ليس أكثر تنصلا من المسؤولية الوطنية أن نسكت على تحليل حقيقة ما يجري خوفا من وصفنا "بالاستئصال" أو "الدفع للاحتقان " أو "الثورجية المجانية ".
لم يعد نقد النهضة انخراطا في عداء ايديولوجي فهذه مظلومية لم تعد تجدي لحركة أصبحت حاكمة و رهانا اساسيا للمتنفذين الداخليين و الخارجيين في المستقبل التونسي .و لم يعد نقد "النداء" مجرد تكلس في عداء "القديمة" فصراعاتُ شقوقه قالت فيه ما لم يقله خصومه .
ائتلاف "النداء" و "النهضة" منذ تشكله ذات حوار باريسي و بعد انتخابات 2014 لم يكن تعبيرا عن "مصلحة وطنية" أو "ذكاء شيخين" كما يقول البعض .و قد يكون "اكراهات" خائفين كما يقول صرحاء الحزبين ضمنا أو علنا .
لكن المؤكد أنه ائتلاف طرفين سياسيين تم اعدادهما "دوليا" في سياق "نموذج تونسي" أراد رعاة الانتقال التونسي الغربيين تسويقه لكامل العالم العربي :
لقاء أقوى "المعارضين للنظام "(الاسلام السياسي) مع "قديم مُرسكل قابل للتحولات"(حزب الدولة) لصياغة بديل توافقي لاستبداد تقليدي أصبح عبئا على رُعاته و منعا لثورات او تحولات عربية حقيقية تذهب تماما الى أهدافها الوطنية الناجزة.
أن يعيش هذا التوافق النموذجي البديل صعوبات راهنة نظرا للديناميات الداخلية في كلا القوتين المشكلتين له أو لتباينات الرعاة الغربيين و اختلافاتهم في حقن النموذج بعد التحولات العربية الصادمة لهم في المشرق فهذا لا يعني أن طبيعة هذا التوافق (المجعول اصلا لمخاتلة "المصلحة الوطنية" و تزييفها) قد تغيرت .
أن لا يقال هذا التوصيف الحقيقي لهذا التوافق علنا فهذا لا يعني انه لا يقال داخل الحزبين و من يريد الاطلاع على طبيعة الحوارات و الاحباطات بين القيادات التاريخية المختلفة و المتناقضة للنهضة أو بين شقوق النداء و مشتقاته فليقترب أكثر من مطابخ السياسة ليكتشف صراع الخطوط بين "ممانعة" ترفض مزيد التورط في رهن البلاد و "اعتدال" يمعن في الاستمتاع بلعبة الطاعة للمستعمرين .سنرى قريبا الخيارات الاقتصادية و الثقافية و الديبلوماسية للبلاد و سنكتشف أن الامر لم يكن ذكاء شيخين و لا تكتيك مرحلة بل خيارات استراتيجية لوطن مخطوف .
أن يطلق على "معارضة" هذا المسار و هذا الاسلوب أنها معارضة مغامرين تارة أو مستهدفين للمصلحة الوطنية طورا أو ثورجية ضد "القديم الجميل" أو "عدوانية " تجاه النهضة الاسلامية فهذا كلام قيل باستمرار على كل من فكر في وطنه بإرادة الاستقلال .قال النظام الرسمي العربي على المقاومين لإسرائيل بأنهم مغامرون و وصف عباس رافضي اوسلو بأنهم مجانين يعبثون بالوحدة الوطنية بصواريخ من "تنك" .
لسنا نعني أننا ندعو في مواجهة "توافق الارتهان" و التنافس على ارضاء المستعمرين الى تحول تونس الى "بلد مقاومة" و "عصيان" و لكننا نعني أن "المتوافقين" و خطوطهم السائدة أو المتصارعة في حكم البلاد ليسوا "حكم مصلحة وطنية" يفرض علينا التوقف عن معارضتهم .
أن لا تكون هناك معارضة ذات مشروع وطني قوي في مواجهتهم لا يعني تبخيس كل من يقول : ان توافق هؤلاء منكر وطني وان استقرارهم ارتهان .