لماذا نتوقع أن لا يربح الوزير معركته مع الأساتذة؟

Photo

للمرة الأولى في سياقات التفاوض الاجتماعي بعد الثورة يبدو التصعيد و التعفين صادرا من سلطة اشراف تتعامل بتطرف غير مفهوم مع منظوريها .وزير التربية المتحدث بلهجة التهديد مع أساتذة التعليم الثانوي مدعوما من المجلس الوزاري يراهن كما هو واضح على ما يراه أوراق قوة في يديه .

اللعب على عامل الوقت في انتظار توتر لدى الأولياء و التلاميذ في اتجاه المدرسين و المراهنة على الجهد التشويهي و الشعبوية الرثة لبعض "اعلاميي" السيستام ..تلك هي الورقة الأولى.. مع توهم امكان احداث الشرخ بين قيادة القطاع و المركزية النقابية أو داخل القطاع نفسه بين القواعد أو بين القواعد و قيادتها القطاعية ..و تلك هي الورقة الثانية لسلطة اشراف تركب رأسها في وضع لا تحتمل فيه البلاد و لا وضعية الائتلاف الحاكم نفسه مثل هذه "العنتريات"النوفمبرية.

قطاع التعليم الثانوي تقليديا هو أقوى القطاعات رمزيا و تنظيميا داخل المنظمة الشغيلة منذ عقود .و يبدو أن "التسييس" بالمعنى الايجابي للكلمة أعطى هذا القطاع قوته النضالية باستمرار في أعتى مراحل التسلط و الاستبداد فما بالك في سنوات "الحرية" و ارتفاع حاجز الخوف.

و ما لا يدركه بعض "المتحرشين" بقطاع التعليم الثانوي هو أن القرارات الكفاحية "تُصنع " بشكل حذر و لا "تُتخذ" بشكل كلاسيكي في هذا القطاع الذي يعج بالتيارات و القواعد النوعية مما يجعل نجاح التحركات أمرا مضمونا قبل أن تبدأ بحيث تكون المراهنة على كسرها ذاتيا من داخلها أو موضوعيا من خارجها مجرد أوهام واهية.

الهيكل القيادي في القطاع على مر العقود الماضية و بقطع النظر عن "التيار النقابي" الذي يقوده يتخذ قراراته عبر استمزاج تنظيمي و ضمني لتوجهات عموم المدرسين و استعداداتهم و يأخذ مسبقا بعين الاعتبار مدى "تضامن" المركزية النقابية و طول نفسها في الوقوف مع القطاع بالإضافة طبعا الى احترام "اجراءات" صعود القرار من قاعات الأساتذة الى مجالس الاطارات وصولا الى الهيئة الادارية .

لهذه الأسباب كانت كل قرارات التحرك التي اتخذت في كل المحطات النضالية للتعليم الثانوي ناجحة بنسب عالية حتى في أحلك فترات الاستبداد أو المحدودية الكفاحية للمركزيات النقابية المتعاقبة و لم تنجح كل محاولات تدجين القطاع أو تركيعه الا بما تقدره هياكله من موازين قوة في سياق جدلية الصراع و الوحدة. و هذا سر لا يدركه مسؤولو سلطة "القديمة العائدة" ممن تربوا في "حزب القيادة و القطيع" بحيث يتوهمون أن مجرد استهداف الكاتب العام و أعضاء جامعة التعليم أو محاولة اللعب على الاختلافات النقابية سوف يفشل التحركات.

الحضور الجماهيري للأساتذة يوم أمس و تصريح الطبوبي البارحة لقناة الحوار يحسم بوضوح اتجاه المعركة بين "بن سالم" و "الأساتذة" و لم يعد أمام "عقلاء" الائتلاف الحاكم و حزبيه "الأكبرين" الا المسارعة باعداد سلم النزول من الشجرة لوزير قديم أعادوه الى منصبه السابق دون اعلامه أن "باب بنات" و سائر البلاد بعد 2011 هي غيرها قبل ذلك .لا بل انه نسي أن القطاع هو نفسه قبل 2011 كما بعدها و كان عليه فعلا أن لا ينسى .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات