(فذلكة بين مغرب و عشاء)
لدي صديق أصبح يساريا بعد سنوات تلمذة و جزء من الجامعة قضاها في رحاب "الجماعة" ثم "الاتجاه الاسلامي" قبل أن ينتقل (لأسباب شتى) بحماس منقطع النظير الى الضفة اليسارية .أصبح روائيا "بوهيميا" جدا لا يترك فرصة إلا و "بال في ماء زمزم " و كتب في "سب الجلالة" و مدح "النكاح" و الانتصار لشهداء "اليسار" بإخلاص لا مثيل له و ارتقى في سلم "قيادة" الفكر و الثقافة و الفن ليصبح من "دار الندوة" الانتلنجسية رغم حدوده المعرفية المعلومة .
التقيتُه بعد الجامعة و قبل الثورة في الوسط "الديمقراطي" و نظرا لطبيعتي "اليسارية التلفيقية"(العاطية على العروبية الاسلامية الملقحة بالحداثة غير الكولونيالية منذ الشباب )كنتُ باستمرار أنصحه فكريا بالاقتصاد في المزايدة الفكرية اليسراوية و كان يستغرب لأني من المفروض أن أفرح "بتقدميته" لأنه يتذكرني ناقدا للاتجاه الاسلامي حين كان من قواعده فذكرتُه بأن نقد "السردية الاسلامية الماضوية" يجب أن لا يوقعه في تمامية دغمائية مقابلة خصوصا اذا كان يدعي "الفلسفة" .
منذ أشهر علق هذا الصديق على مقال لي منشور على صفحة صديق مشترك و كان تعليقا فارغا زايد فيه علي أنا في "التقدمية" هذه المرة و أضاف الاسطوانة المشروخة في سب "الخوانجية" فعلقتُ بأن لا علاقة لمزايدته و سبابه بنص المقال و موضوعه و أضفتُ ببراءة الأطفال : "لا تنفس على مقالي و شخصي عقدة ماضيك الاسلامي و محاولة اثبات ذاتك الحالية لأعرافك و ناقش معرفيا في الموضوع"...لم يجبني طبعا و قد يكون أزالني من قائمة أصدقائه لأني لم أعد أراه بلحيته اليسارية و شعره الاشعث العلماني على صفحة الاستقبال.
في سياق مقابل روى لي صديق لدود لن أذكر اسمه حتى يأذن لي طُرفة ضحكنا لها حتى بانت النواجذ منا.
قال لي : كنتُ في "مونبليزير" ذات يوم أثناء حكم الترويكا في لقاء سياسي فيه كثير من قرارات "تقرير المصير" فحضرت الصلاة و ما راعني إلا و صديق يساري (التحق حديثا بقيادة أحد أحزاب الترويكا وقتها و له طموح سياسي جارف) يسبق الشيخ الى المُصلى "
قلتُ لصديقي : صلى معكم ؟؟…اذن ننتظر منه كتابات عميقة في المراجعات الفكرية ؟
(قلتُ معكم لأني أعرف صديقي مصليا)
قال : (بعد أن طفاني في الجزء الثاني من السؤال) .." معنا ؟ أنا حلفت نهارتها بالحرام لا صليتها
و ضحكنا من ترك صديقي للصلاة في وقتها و انضباط "اليساري" .
أذكر مرة أننا سألنا بمزاح أحد أساتذتنا الكبار في قسم الفلسفة :"كل من يطول عهده بالفلسفة يصيبه بعض اضطراب و كآبة و جنون إلا أنت فقد حافظت على روح "اللامبالاة".؟ قال : لا تصدقوا الفلاسفة و لا تتحمسوا كثيرا لمذاهبهم ..كلهم كذابون مخادعون (و قال بذاءة ما معناه أنهم يدخلون شيئا في مكان ما). و أضاف :"لا يُصاب بالجنون إلا من يتحمس لفكرة أكثر من اللزوم ثم يكتشف حدودها و يذهب الى أخرى يكتشف حدودها أيضا و هكذا ."
الدغمائية تنتهي بصاحبها الى الجنون لكن أيضا الى النفاق و السفالة و قلة الأدب .و كم من استقطابات وهمية صنعها لنا "معطوبون فكريا".