لم أقرأ مقال النائب سالم لبيض إلا بعد كم ،، الاستياء،، اللافت للانتباه الذي قرأته في ملاحظات نشطاء و مدونين محمولين على حزب النهضة.
و الحق اني بعد قراءة نص سالم فوجئت بحجم سوء الفهم و سطحية القراءة لدى عدد ممن ننسبهم غالبا إلى فريق قراء النصوص و كتابها فضلا عن غياب المعلومة حول طبيعة الأفكار المتداولة حتى في أوساط الحركات الإسلامية التي ينتسب إليها هؤلاء الكتاب و القراء المتميزين (دعنا من عوام الناس.)
في سياقات الانتقال السياسي الهشة في المجتمعات حديثة العهد بالمشاركة الشعبية عبر الاقتراع يتم تحصين هذه السياقات من اللاعبين الرئيسيين أنفسهم بجملة من القوانين و التنازلات من كبار الفاعلين حتى تكون نتائج مشاركة الناس في الاقتراع غير مولدة لاستقطابات ضخمة تمنح احتكار المشهد لقوة سياسية أو قوتين كبيرتين تستفيد من تأثر الناخبين حديثي العهد في المشاركة بغرايزهم الأيديولوجية أو القبلية أو المذهبية او الدينية أو من قدرات قوة سياسية في استغلال علاقتها القديمة بأجهزة الدولة سلبا أو إيجابا و من حجم إمكاناتها اللوجستية فينتج عن ذلك مشهد سياسي غير متوازن يحصر الحكم في حزبين يكونان عادة في الساحة العربية الوليدة من الإسلاميين و القديمة.
لهذا السبب بالذات و تجنبا لاتساع حجم النخب و التيارات و المواطنين المقصيين و المتضررين من هذا الاستقطاب بما يهدد استقرار الديمقراطية الهشة يتم اللجوء إلى قوانين انتخابية مثل نظام أكبر البقايا مثلا لضمان أكبر قدر من الحضور للتيارات و القوى التي قد لا ينصفها تصويت ،، جماهير،، مازالت محكومة بما ذكرناه من غرائز ما قبل ديمقراطية و إمكانات لوجبستية غير موزعة بشكل عادل بين القوى مثل المال و الإعلام و مؤسسات الدولة. بعبارة أدق يتم فعلا في الوضعيات الانتقالية ،، صناعة ،، التوازن قسرا في انتظار نضج الناخبين لصناعة هذا التوازن ديمقراطيا و هذا ما يسميه خبراء الانتقال و الديمقراطيات التوافقية بصناعة الديمقراطية بأساليب غير ديمقراطية مثل العهود و المواثيق و قوانين تحجيم القوي مؤقتا لانصاف الضعيف مؤقتا.
ما قاله سالم لبيض هو نفس ما قاله قياديون وكتاب من داخل الإسلاميين أنفسهم أو من الخبراء الناصحين لهم بالاعتماد فعلا على تجربة الجزائر في التسعينات. وهو ضرورة حذر الإسلاميين من ،، استثمار ،، مغرور للتصويت الاستقطابي في الديمقراطيات الحديثة بعد الثورات في مصر و تونس و هو نوع من التصويت يمنحهم تلقائيا تنافسا مريحا مع القديم و لكنه يقصي باقي التيارات و النخب الخارجة على هذا الاستقطاب فيجعل مخرجات الانتخاب بعدد كبير في الصندوق و لكن بفقر كبير في قبول النخب وهي بالضبط عبارة راشد الغنوشي في نقده لإخوان مصر الذين حرصوا على نيل الرئاسة حتى بعد فوزهم في البرلمان و كانت نتائج المسار المصري معلومة في كارثيتها.
العدالة والتنمية حزب الإسلاميين في المغرب الأقصى اعتمد منذ أوائل الألفين آراء خبراء الانتقال لخفض مشاركته في البلديات ثم التشريعيات إلى حين نضوج جمهور الناخبين حتى لا تضعهم نتائج انتخابات تحكمها غرائز وشروط قبل ديمقراطية في صدارة مشهد لا يحتمل التغول.
هذا ما قاله و ما فهمته تقريبا من كلام سالم لكن غرائزية القراءة نفسها عائق آخر من عوائق جدل يتم في ساحة عامية قوامها التسرع و محدودية المعرفة.