استحضار الهوية و الخصوصية هو اعلان للذات في الزمن و تأكيد على رغبة العيش مع الآخر المختلف في مواجهة رغبته في الاقصاء .
الشعوب التي تحرص على استعادة هويتها تقتنص فيها باستمرار ماهو حيوي و زمني و جدير بالمعاصرة .تستلهم من دينها مقاصده المطابقة للعصر و تحيي من فنونها و فولكلورها ما يضيف لقائمة الذائقة الكونية السائدة في عصرها و تؤكد على اسهاماتها التاريخية في اثراء الفكر الانساني .
الشعوب وهي تستحضر هوياتها في مواجهة من يريد سلبها من قوى استعمارية الحاقية تعادي من يسلبها حق الخصوصية و الحياة و "المشاركة" في الكونية لكن عداء "السالب" لا تعني "كره الآخر" بل اثبات للجدارة "للعيش معا".
عندما كان العرب مع الاسلام المحمدي الصاعد يطرقون ابواب العالم كانوا بالاساس يركزون على قيمة التعارف ..لتعارفوا ..لا لتتكارهو و لكن في زمنية الانحطاط الراهن تصبح "الهوية" في عرف "المتاسلمين تدعوشا" كراهية للآخر و عنصرية و قتلا.انهاء لزمن الآخر و استحضار كلي لزمن ذاتي مفترض .
الحداثة بمعناها الانساني هي المعاصرة أو عيش الزمن .هي تمرين انسانية .أن تكون حداثيا أي أن تكون انسانا سيدا و مالكا للذات و للطبيعة بعيدا عن الخضوع الى الوصاية أو ممارستها على آخر.
حداثة الغرب حداثات و أكثرها مشروع ناقص أو غير مكتمل أو غير متحقق بتنويع ترجمة عبارة "هابرماز" .الحداثة ليست وصاية على الآخر أو قتله و لا تدميرا للطبيعة أو استنزافا لها .الحداثة لا تقتل و لم تستمر إلا حداثة الحياة .
الحداثة تحقيق الانسان بجميع ابعاده الروحية و العقلية و الجسدية أما بناء الانسان ذي البعد الواحد بلغة "ماركوز" فهي رجعية و عودة الى غرائزية البدء . فلا حداثة إلا بالانطلاق من الذات.و الذات تاريخ و خصوصية و هوية و تاريخ و سياق .
الحداثيون العرب المزيفون كانوا دوما تلاميذا سيئين لا يقدمون لشعوبهم إلا مشاريع "الحداثة الناقصة" أو الحداثة المكذوبة .لو اطلعوا على تجارب الحداثة الغربية الحقيقية و المكتملة لعرفوا أنها كانت دائما تنطلق من الذات و الهوية الخاصة لشعوب اوروبا المختلفة فكانت حداثات .
الحداثيون العرب المزيفون و لأنهم مزيفون يحولون "الدرس الحداثي" الى درس كراهية للذات .الحداثي العربي المزيف كائن كاره لذاته و لأنه كذلك تصبح الحداثة عنده تمرين كراهية لذاته و شعبه و تاريخه و تراثه .
الحداثة الحقيقية عداء للخرافة و الضعف و الوصاية وهي أفكار مريضة لكنها ليست كراهية .الحداثي العربي المزيف قتل للذات من أجل استيراد ذات آخر مفترض و اغتيال لزمن الذات من اجل زمن الغير المفترض.
كره الذات أو كره الأغيار تلك نقطة الالتقاء بين الحداثي العربي المزيف و الهووي العربي المدوعش .في الحالتين هما قاتلان جهولان .أحدهما زيف الحداثة و الآخر زيف الهوية .كلاهما يريد قتل آخر لأنه لا يرى نفسه الا وحيدا مثل وحش في برية .هما خائفان من الآخر.انهما وحشة لا انسية .