نزعم ان السقوف العليا للطبقة السياسية و الثقافية التونسية الفاعلة و الماسكة بالمشهد سلطة و معارضة و بمختلف تياراتها الاسلامية و العلمانية تبقى تكتيكيا (كما تزعم) أو استراتيجيا (وهو الأصح) ..تبقى مشدودة الى مقتضيات الترتيب الدولي للانتقالات الديمقراطية و تدوير النخب دون قدرة أو استعداد على الارتفاع بالسقوف الى مرتبة التأسيس المقاوم للدولة الوطنية المستقلة تماما .
لكن هذه التحولات الفارقة في الصراع ستدفعه الى التمركز حتما على عناوينه الجذرية باستحضار عمق المعركة لاستهداف كل مخرجات مؤتمر 1905 (مؤتمر كامبل برمان لترتيب العالم العربي استعماريا) و ما تلاها من ترتيبات سايكس بيكو و وعد بلفور بعد عشر سنوات ثم موجة الاستقلالات الشكلية لتخفيض الاحتقان العربي أواسط القرن العشرين ثم الانحراف بالمضامين الوطنية الاستراتيجية للثورات العربية في القرن 21.
ستكتشف الجماهير بعفويتها العميقة حدود نخبها السياسية بمختلف ايديولوجياتها الجزئية لتكتشف أنه لا استقلال للقرار الوطني للدولة القطرية و لا تنمية اقتصادية عادلة و لا استرجاع للثروة و لا ديمقراطية حقيقية و ممكنة بمعنى "الحرية" الا عبر خوض المعركة الرئيسية في مواجهة الكيان الصهيوني اسقاطا لوعد بلفور و عبر انجاز وحدتها اللامركزية اسقاطا لسايكس بيكو .
ذاك هو سبيل استعادة المعاني القصوى لحلم الثورات الذي انطلق في 2010 من تونس قبل أن تفتكه نخب الايديولوجيات الكولونيالية التابعة في مشروع حقوقيي الشرق الاوسط الجديد أو الايديولوجيات المادية المغتربة في ثقافة الغازي أو الاسلامويات الغيبية المغتربة في فكر الماضي البائد .
هذا الاكتشاف وحده هو الذي تعنيه مقولة فلسطين بوصلة المعركة .لا ديمقراطية وطنية مستقلة و لا عدالة اجتماعية بتنمية مستقلة الا عبر مقاومة تستكمل تحرير الارض و وحدة الوطن العربي و تكون كل النضالات الجزئية الديمقراطية و الاجتماعية و الثقافية القطرية في أفق هذه المقاومة الكلية .