كنا سنكون مطمئنين الى ذكاء كبار محللينا و صانعي الرأي و السياسة في تونس لو كان الأمر كما يصورونه لنا و هم يحللون كبريات الاحداث و الزلازل في منطقتنا العربية و عموم العالم و يحددون لشعبنا التونسي مواقعه التي يجب أن يتخذها في قلب الاستقطابات التي تشق وطننا العربي و سائر المعمورة الكونية .
يُصر بعض من أصدقائنا على فرز المشهد العربي و الدولي على قاعدة ثورة و ضديدها أو أنصار استبداد و طُلاب ديمقراطية و مواطنة و من خلال هذه "التيمة" يصنفون القوى السياسية و طبيعة الاهتزازات في مناطق اللهيب العربي في اليمن و ليبيا و سوريا و يوزعون النظم السياسية العربية و القوى الاقليمية المتدخلة من فرنجة و فرس و اتراك و صهاينة و بني أصفر . و يقابلهم بعض آخر من أصدقائنا فيفسرون مسارات العواصف المحدقة بالعالم العربي و المجتاحة لسائر الكون بسردية "الحداثة" و "القدامة" أو "العقلانية التنويرية" و "الدينية الظلامية" .
سيكون من المريح حقا لو تمكننا من فهم ما يجري على قاعدة ما سبق من تحليل الفسطاطين فليس أسهل و لا أنبل من فهم الصراع العالمي الدائر على أكناف ديارنا بمثل تلك القيم أعلاه غير أن المربك أننا بمجرد تشغيل ما تقدم نصطدم بعجزنا عن فهم أحجام التعقيد التي تتشكل على ضوئها الأحلاف و القوى حيث لا مكان لتصنيفها وفق فساطيط الطوباويات أعلاه .
يبدو أننا على رأس قرن بما يعنيه رأس كل قرن من تحولات كبرى لا تُفهم إلا بصراع القوميات و الحضارات و الامبراطوريات و الأديان و الافكار الكبرى . انه صراع القوى الفاعلة في عالم لا يعترف منذ تكونه من ألاف السنوات إلا بقوانين الصراع الموضوعية التي لا علاقة لها بلطافة العوامل التي نتوهمها كتونسيين مسالمين .
ليس الصراع بين ديمقراطيات و استبداديات كما نتوهم و لا بين حداثات و قدامات كما نتمنى .انه صراع أمم بمخالب المعرفة و الاقتدار حيث يتم توظيف كل مقومات الذات بما فيها من قوى العرق و التاريخ و الدم و اساطير الأمة و حيث يتم توظيف كل هشاشة الخصم بما في ذلك تركه في وهم الفهم بين اعتبار الصراع بين ديمقراطية و استبداد أو اعتباره بين قدامة و حداثة .
لو سمع السياسيون كلام محللينا و كتابنا لبقينا خارج التاريخ ..الغنوشي و الباجي في اختبار السير على حافة الهاوية …