اعتبرت دوما سمير ديلو منذ بداية الثورة صوتا مغايرا للنهضة ولا يمكن ان يشكل فيها الوجه المتطرف ولا عنصرا من عناصر التخلف.
كما كنت اعتبر ان الشيخ مورو.. وهو ليس بشيخ طبعا انما هو رجل قانون وهو محام ناجح هو من الشخصيات التي تنقذ ماء وجه النهضة ان اخطات او اعطت الوجه القبيح من خلال سلوكيات وأقوال الدعاة من امثال الحبيب اللوز…
واليوم عندما نرى تهافت الشيخ مورو على اعلام فاسد بشخصياته الفاسدة لا لاتهامهم بالفساد بل لثبوت الفساد عليهم رسميا وقانونيا.. وعندما نشهد تهافت ديلو على نفس الاعلام بل يتولى الدفاع عن الفاسدين المشهورين.. ويعتبر ان كل رجال البرلمان اناسا منضبطين وما يصدر ضدهم حاليا انما هي مجرد تهم ودعايات لتشويههم في حين نسمع بالابتزاز والرشاوى والشراءات… اي شراء الشخصيات كما يشترى العبيد في سوق البركة في القرون التي خلت…
انا اريد ان اعرف اين تريد ان تصل النهضة بهذه المتغيرات الكبيرة التي لا يستفيد منها احد وبهذه المنزلقات التي تضع نفسها فيها فإذا تقدمت سقطت وإذا تراجعت سقطت وفي كلتا الحالتين تعرض نفسها الى كل انواع المخاطر…
ألا يكفها الاخطاء الفادحة التي اقترفتها جماعتها زمن الترويكا في الحكم…
ما الذي تبحث عنه النهضة…
ما هذا الانهيار الصامت ثم ما هذا السقوط المدوي…
هل يعقل ان لا تلتزم النهضة بأي قيمة سياسية او اخلاقية… بدعوى انها تؤمن بالحريات
لا احد طالبها بان تكون متطرفة ولا ان تسكت الناس او ان تحاربهم.. انما اسماع صوتها وسط ما يحدث من نشاز فكري وانحراف اخلاقي في الاعلام بتونس ووسط ما يجري من مناقشات فيها الكثير من اللغط المخطط له وهو لغط غير مقبول حتى في فرنسا والولايات المتحدة.
لم ار من النهضة منذ خروجها من الحكم ما يسر… ولا فرق بينها وبين نداء تونس برجاله تماما تماما…
واقصد لا فرق بينها وبين ما بثه التجمع الى حد الان ومنذ غير بن علي وجهته…
انا لا اخفي اني دافعت عن الترويكا وعن النهضة لسنوات بحثا عن بديل لستين سنة فسادا واستبدادا…
لكني اعتبر اليوم اني في حاجة الى مراجعات كثيرة لأفهم ما يحدث من حولي…
هل يعقل ان ارى واسمع من ديلو ومن مورو وحتى من راشد الغنوشي نفسه ما لا يسر بدعوى ان النهضة حزب سياسي وليس دعويا. لا احد من الذين احترمهم فكريا طالب النهضة بدور دعوي بل هم دوما يدافعون عن النهضة سياسيا ويريدونها ان تكون حزبا سياسيا… لكن الحزب السياسي هو الذي يتخلى عن الدفاع عن القيم والأخلاق…
نعم اومن انا بان تكون النهضة سياسية وليست حزبا دينيا اومن بذلك لاني قرأت جيدا ادبيات النهضة وتابعت سياستها كما اني اعرف تاريخها منذ ان سمعت بوجود فريق يعمل على رفض سياسة بورقيبة وهم يتواجدون في اكثر الاوقات في الجوامع والمساجد ويحضرون المناقشات الفكرية في النوادي والملتقيات لفرض افكارهم وإبراز ما يريدون.. وكان ذلك منذ عام 1972 +1973…
اليوم وأنا ارى واسمع من كبار شخصياتها اراء ومواقف لا تصدر إلا من ذلك الذي استبد ومن نهب ومن تجاوز حقوق الانسان..
اسال رجال النهضة لماذا اذن ثرتم ضد النظام السابق ولماذا عرضتم ألاف الشباب الى المخاطر بكل انواعها وجعلتهم يقبعون في السجون لسنوات طويلة… فيهم من اضاع مستقبله وفيهم من اضاع عائلته وفيهم من تعب من اجل لقمة العيش للحصار الذي تعرض له… وفيهم من عاش لسنوات في المنفى.
اليس من اجل الدفاع عن قيم معينة..
نعم لا بد من رفض التطرف :
• نعم لا بد من التخلص من الصقور الذين يعطون صورة سيئة عن الاسلام… والمسلمين
• نعم لا بد من ابعاد الوجوه الاصولية ذات الميولات الوهابية والسلفية والجهادية
• نعم لا بد من الالتحاق بركب الحداثة… وقبول التقدم ومحاربة من يرفض التقدم..
• نعم لا بد من منع البعض من الاصوليين المتسربين في صفوف النهضة لفرض قوانينهم في الشارع وفي الشواطئ وفي المدارس والقاعات السينمائية والمسرحية والفنية كما يفعل السلفيون
كل ذلك لا بد من مساندته والوقوف الى جانبه.
اما السكوت عن الاختيارات الكبرى من القيم الاساسية للمجتمع العربي المسلم في تونس فهذا ما لا يمكن قبوله.. وقد لاحظت سكوتا مريعا بدعوى الدفاع عن الحريات…
والتحالف غير السياسي مع التجمعيين ومساندة المصالحات السرية والعلنية وعدم الرد على من يتهمهم بقبول اموال الفاسدين للدفاع عنهم وعدم المس بهم وعدم الزج بهم في المحاكمات والمحاسبات فهذا امر غير مقبول.
ومرة اسال… هل ان الحزب السياسي هو الحزب الذي يقبل بالفساد…
انا تساءلت في مقال سابق… هل ان النهضة حزب سياسي فيه بعض انكار لما يحسب عليهم اليوم.. إلا اني لم احس بنهضاوي واحد قد ظل على الخط وأجاب على سؤالي او دافع عن غمرة ما اثر صدور مقالي في صفحتي وأربع مواقع اعلامية اليكترونية… في حين جاءتني ردود عنيفة اما ضدي او هي ضد النهضة من جماعة من الواضح انها من نداء تونس او من مشروع تونس او من اليسار القديم… وهو امر غريب من جماعة النهضة على جميع المستويات.
انا اعتقد ان اي حزب مهما كان توجهه يمكن ان لا يمارس الفساد وان يقف الى جانب الدستور وان يحارب المفسدين…
ان تتحول النهضة الى حزب مدني وتتخلى عن التوجه الاسلامي هذا مهم لكن ذلك في اعتقادي لا يعني القبول بمساوئ الاحزاب الكلاسيكية التي تعودت على الفساد والاستبداد.
بمعنى اخر الحزب المدني ليس بالضرورة هو حزب يقبل بالفساد او يصمت اذا ما رأى فسادا…
الحزب السياسي المدني من المفروض ان يكون حزبا من اجل تحقيق الخيارات التي يريد الشعب المحافظة عليها وتطويرها ومن اجل فرض القيم وفرض القانون واحترام دولة القانون. والعمل على عدم اختراق الدستور والهيئات الدستورية والمؤسسات السياسية واحترام الحريات والديمقراطية ليست القبول او السكوت عن المفسدين والظهور معهم والدفاع عن نفس الافكار والتوجهات…
وهذا ما ظهر به ديلو ومورو.. وطبعا غيرهما انما ركزت عليهما لأنهما قبلا الظهور في قناة جل الشباب اقر العزم على مناهضتها ومقاطعتها حتى تجبرها على احترام الشعب ولا نشر الشغب… وهذا من حقه ولا يدخل في باب الاستبداد بالرأي.
انا لا يمكن ان اقبل بالرأي الذي يقول.. انا افعل ما اريد وأقول ما اريد… وافرض ما اريد… لا يا سيدي البلاد فيها قانون وفيها دولة. وفيها شعب ولا بد من ان تكون حريتك غير مؤذية لحرية الاغلبية…