السينمائي الطيب الوحيشي ..وداعا

Photo

رحلت باحلام كبيرة…وانت على قلق

الطيب الوحيشي ..هل ترحل قبل ان تودعنا بفيلم كبير كان حلمك الاكبر…..رغم رصيدك انتاجك الذي يبدو ثريا ومتنوعا بدأت حياتك الفنية عالميا بفيلم » ظل الارض «ثم فيلم «ليلى.يا عقلي » ..بقصة الشاعر قيس ابن الملوح الملقب بالمجنون او قيس مجنون ليلى…وليلى هي التي افقدته عقله .

وفي الفيلمين رائحة الصحراء وأنت لست غريبا عن الصحراء بل انت تعشقها ..وتعرف قيمتها وثقافتها وعالمها البشري عبر التاريخ ..وقد بدا للعيان بعدك الفني الحقيقي لأعمالك السينمائية الاولى ورؤيتك الى الانسان والطبيعة والكون … وفي الفيلمين قصتان متباعدتان في الزمن و في الحضارة والتاريخ ….بين القصتين عوالم وتاريخ وثوابت لا تتغير وفي مقدمتها الحب…والحب هو المهيمن بأشكال قد نهفو اليها وقد نمر عليها مرور الكرام .

كنت صاحب مشروع صاخب بالأفكار..يغلي بالصور والأحداث إلا ان صخبه منتج وفعال قادر على التغيير …مشروع جعلك كبيرا في نظر كل المهتمين بالثقافة السينمائية رحلت ايها العزيز بعد ان وضعت بصمتك السينمائية لكنك ابدا لم تكن راضيا على ما بلغته من مجد ونجاحات وكنت تخطط لأمر ما.

رحلت بمرضك الذي كاد يقعدك نهائيا .وقد خلقت من الضعف قوة بداية من 2013 لتهرج الى الناي فيلما جديدا فكان لك ذلك…و حاولت ان تخرج من ضعفك المفروض عليك وتبدع فيلما اسميته «ابن الشمس »…وإحقاقا للحق لم تتمكن من اقناع احد بان هذا الفيلم ينتمي الى مشروعك رغم ان الفيلم ليس هزيلا ..ولا مرفوضا انما انت اكبر منه …وحلمك اعظم .

منذ الثمانينيات وأنا التقيك خارج مكتبي او داخله ..وما وجدتك يوما مطمئنا كنت دوما قلقا و دائما على سفر ..لا تبق طويلا لا في تونس ولا في فرنسا ولا في اي بلاد عربية اكثر مما نتصور انها ايام قصيرة انت لا ترغب في اي استقرار…وأنت كنت تعتبر الاستقرار كارثة بل ترى الراضين به مرضى ..ولا يقدرون على الفعل الجيد .

واشهد انك ما استسلمت للواقع ..وما رضيت به ..تتحدث كثيرا عن الافكار او المشاريع ..وقد لا تسمع الطرف الاخر في اكثر الاحيان ..لكن ما يشد المستمعين اليك هي انك لا تتحدث عن نفسك ..ولا عن اعمالك التي تعتبر انك انتهيت منها وتسال دائما ماذا يمكن للسينما ان تفعله للثقافة التونسية وتفكر في المستقبل وتعبر دوما عن قلق جارف ..وعن غضب ثائر وعن حب كبير …..

قلق من اوضاع تونس سياسيا في عهدي بورقيبة وبن علي رغم انك حصلت على منح في العهدين ..و لم اكن اعاتبك او الومك بل كنت ادعمك لان المنحة او الدعم القانوني هو حقك..ومن حق المبدع في البلد ان يحصل على ما به ينتج ليرفع راية البلاد..ويرفع رأسه بين العباد..

وغضب من عدم احترام المبدعين وعدم فهمهم وعدم التعامل معهم كفاعلين اساسيين في تطوير الثقافة و الاسهام في نمو الوطن.

وحب كبير لهذا الوطن ..ورغبة اكبر ان يكون منفتحا على الثقافات مؤمنا بالحريات ..منخرطا في الديمقراطية ..ومنغرسا في ثقافة التسامح ..والتفاني من اجل انسانية جديدة ..

رحمك الله

ها انك ترحل ..بعد ان يئست من تحقيق حلمك رغم انك عشت التغيير في تونس وتمتعت بالحرية ..لكن المرض لا جازاه خيرا منعك من ان تشتغل وفق روحك المبدعة الخلاقة …وتماشيا مع الاوضاع الجديدة ..وانغماسا في الحياة التونسية المغايرة عما عشناه قبل 2010 لكنها طرحت علينا تحديات اخرى ما كنا نتوقعها ..

وجاءت بشخصيات ما توقعنا ان يكونوا على الشاكلة القذرة التي بجوا عليها ومارسوا الفساد الاكبر مستغلين ضعف الدولة بل ساعدوا على اضعافها اكثر للامتلاء ..دون التفكير في الوطن…الف موضوع جديد طرحته الظروف الجديدة ..وكل موضوع يصلح للسينما من اجل توثيقه وفهمه ودراسته ..لكن الموت كان اليك اسرع.

وإحقاقا للحق منع المرض الذي اقعدك نتيجة ذاك الحادث التافه الذي تحول الى كارثة حرمنا منك ومن احلامك ومن قلقلك الفاعل القادر على التغيير .

ورحلت …

وداعا …سي الطيب …

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات