المثقفون في منطق الاشياء يتميزون بأصواتهم العالية ..المقنعة..والزاخرة بالمعرفة..والموشاة بالاتزان والمضخمة بالقيم الشاهقة.... إلا المثقفون التونسيون فهم في الاغلب يتصفون بأصوات صارخة موحشة...كاذبة... منافقة... فما ان يضعوا ايديهم على مشكل عادي و بسيط او مهم حتى يعظمونه ويكبّرونه ويجعلون منه قضية اساسية في الوطن.........
وفي عملية تعظيم وتكبير هذا المشكل او ذاك يدسون الترهات التي لا علاقة لها بالواقع والأباطيل السوداء ..ويشبعون الناس اكاذيب ساخنة و مخادعات قذرة من الدرجة الاولى..مع بكائيات من الطراز المزعج ..والهدف هو تحقيق ارباك اجتماعي واهتزاز سياسي لصالح فكرهم او ايديولوجيتهم او مواقفهم …حتى يظهروا في عيون الناس ان الحق الى جانبهم ..وان الباطل هو ما تتضمنه القوانين او الدستور..
ولنا من هذا القبيل امثلة من العام الجاري فقط ..مثل الضجة التي احدثوها اثر سجن عدد من الطلبة المثليين في القيروان ..او حكاية المعلمة التي اتهمت عددا من اولياء تلاميذها بالاعتداء عليها ..او حكاية البوسة الاجنبية على شفاه تونسية… حول هذه الاحداث العادية انقلبت الدنيا ولم تقعد الى حد الان ..و عنها وفيها تزايد الصراخ والنديب والاتهامات والسباب والشتائم للتغطية على الحقيقة وإظهار المجتمع التونسي متخلفا وظالما ..وإبراز القانون التونسي تعسفيا ومحاججة بعض الاحزاب الاسلامية ووضعها في زاوية لإشباعها ضربا بعدوانية مطلقة وقد اثبتت هذه الاحزاب انها بعيدة عن الاسلام ..
ولم يحدث ان اتخذت اي قرار لفائدة الاسلام او الهوية العربية الاسلامية وثبت انها تريد الحكم ولو التجأت في حكمها الى العلمانية او الفقه التبريري لكل التصرفات الاجتماعية ولو كانت بعيدة عن الاسلام…. بعد هذا اين هم هؤلاء السادة والسيدات الذين يقيمون الحروب الكبرى لقبلة تأكد لنا ان القانون يعاقب عليها لان فيها مجاهرة بالكلام الفاحش وخصام مع العون الذي سجل القبلة ..
اين هم من موت ابنائنا في البحر ..هل تكلموا بصراخهم العالي.وهل تظاهروا لإبراز حقهم …اين هم من الموتى بالعشرات ..وهل احتجوا على السلطات التي تسببت في موتهم بسياساتها الفاشلة وقراراتها الصادمة وقوانينها المجحفة ..وتحركاتها الظالمة …. لا شيء من ذلك حدث لا يهمهم موت الفقراء بل هناك من قال «يستاهلوا وهوما اش مخرجهم للبحر … « تهمهم قبلة ممنوعة بحثا عن تحرير القبل ..لكن لا يعنيهم في شيء موت مئات الشباب هاربون من جحيم الفقر وكوارث البؤس وتراجيديا التعاسة ….ودراما الجوع وشبح الامراض الفتاكة ……
سمعتهم يصرخون لمساندة معلمة مخطئة قانونيا واثبت ذلك القضاء …وأقاموا من اجلها النواحات الاجتماعية والسياسية ..ولم يحركهم عدم تعيين المعلمين في عدد من المدارس ..وهناك مئات التلاميذ بلا تعليم ..وبلا لمجة ..وبلا ماء ..وبلا مرحاض ..وبلا قاعات للراحة ومراجعة الدروس…
الم اقل لكم ان تحريم المجاهرة بقبلة قانونيا تزعجهم فيصابون بالجنون .. وسجن لواطي وفق القانون يقلقهم حد الثورة مع تنظيم المظاهرات….. ومعاقبة شخص يجاهر بإفطار رمضان يدفع بهم الى اقامة مظاهرات احتجاجية رافعة شعارات للمطالبة بحق الملحدين والعلمانيين في الافطار والمجاهرة به .. كل ذلك يدخل في باب قناعاتهم الفكرية ..والايديولوجية …
اما الموت في البحر بالمئات فلا يعنيهم .. والمزعج ان جانبا كبيرا من الاعلاميين لم يفعلوا شيئا لفائدة الموتى في اعماق البحر..ولم يتحدثوا عن الكارثة التي تتجدد كل يوم إلا بما يشبه الاخبار ..لان الاوامر لم تصدر للدفاع عن الفقراء والمساكين …فالأوامر صدرت لإثارة الحروب والمعارك والحملات من اجل تحويل قبلة حرام الى قبلة حلال وجعل المشكلة الشخصية العادية الى قضية وطن …