أحداث 26،جانفي 1978..الخميس الاسود( الجزء الثاني)

يتبع أحداث 26،جانفي 1978..الخميس الأسود( الجزء الاول)

Photo

واضح جدا أن الخميس الأسود المؤرخ في 26جانفي 1978 هو أكثر ايام تونس دموية في تاريخها كله فقد استشهد فيه عدد كبير من المواطنين لا أحد يعرف كم هم بالتحديد لأن النظام البورقيبي لم ينشر المعلومات الصحيحة إلى الآن ..ولأن الاتحاد العام التونسي للشغل لم يضغط بما يكفي للضغط على الداخلية وإجبارها على تسريح المعلومات الحقيقية عن هذا اليوم الأحمر الذي جرت فيه الدماء انهارا…

والمؤكد ان هناك من كان في الاتحاد غير راغب في كل الحقيقة للتغطية على الرئيس بن علي الذي كان يومها مديرا للأمن وكلفه بورقيبة بإطلاق النار على المتظاهرين…وقد قام بن علي بشراء الضمائر وجعل الناس إلى جانبه أما بتهديدهم لأسباب لا نعرفها او اهدائهم المال او تقريبهم منه بالمناصب ….

وللعلم أن لهذا اليوم الأحمر أسبابا كثيرة تعود إلى بداية سنة 1977 حيث انطلق صراع شديد بين الهادي نويرة الوزير الأول من ناحية و محمد الصياح مدير الحزب الحاكم من ناحية ثانية والحبيب عاشور الأمين العام لاتحاد الشغل الذي شهد تطورا كبيرا في نوعية المشتركين وفي الهياكل وفي الاشتراكات التي توسعت على كامل البلاد فضلا عن كونه أصبح قوة ضاربة بفضل ظهور طبقة عمالية واسعة نتيجة التحسن الاقتصادي الذي شهدته البلاد التي كادت تنهار كليا في نهاية الستينيات بسبب السياسة التعاضدية المعممة دون استشارة الشعب.. خاصة وان تطبيق التعاضد انطلق من القاعدة دون المس من مصالح كبار الفلاحين وكبار الصناعيين والتجار..

الاتحاد العام التونسي للشغل في السبعينات أصبح إذن قوة فاعلة وانخرط فيها عشرات الآلاف من المواطنين المعلمين والأساتذة في التعليم الثانوي وفي التعليم الجامعي والصحفيين و التقنيين من جميع الأصناف الكثير منهم ينتمون الى توجهات سياسية وفكرية معارضة للحزب الحاكم وجدوا في الاتحاد ملجأ للتعبير في حماية منظمة عتيدة ولذا أصبح المنخرطون يطالبون بحقوقهم والهادي نويرة الوزير الأول يرفض الزيادت التي لا تستجيب للميزانية التي تعدها حكومته…

كما ان محمد الصياح مدير الحزب الحاكم كان ينظر بعين المنزعج من تزايد المنخرطين المعارضين في المنظمة ومن الحماية التي يجدونها من الحبيب عاشور بنفسه بل كان محمد الصياح متخوفا من صعود نجم الجامعيين في هياكل الاتحاد وانتخاب الطيب البكوش أمينا عاما مساعدا وهو المعروف بيساريته التي لا يقبل بها الحزب الحاكم بل يعمد إلى مقاومة اليسار بقوة خاصة اذا ما كان عناصره قد كونوا أحزابا او منظمات.

ومما كان يقوم به الصياح الى جانب التحركات الأمنية تشجيع تصاعد الاتجاه الإسلامي في الجامعة وفي البلاد عموما لمواجهة اليسار والشيوعية والماركسية والبعث والناصرية…وغيرها من التوجهات التي كانت تزعج بورقيبة الذي لا يرى للبلاد إلا حزبه الدستوري….

ومع تقدم سنوات عشرية السبعينات يحدث تصاعد في قوة الاتحاد و ابتعاد الشباب والعمال عن الحزب الحاكم وتصاعد المعارضة في الجامعة وفي المعاهد الثانوية وفي منظمة العمال….

كما لا يمكن أن ننسي أن بورقيبة كان مريضا مما شجع البعض على التفكير في خلافته فانطلق صراع خفي بين نويرة المرشح للخلافة ومحمد الصياح الذي يحبه بورقيبة لأنه مهتم بكتابة تاريخه النضالي من وجهة نظر واحدة وهو ان بورقيبة والمجاهد الأكبر و الاوحد وكل المناضلين الاخرين أما يتحركون كما يقول في فلكه ووفق رؤيته.

وأما هم في رأيه ضعاف النفوس لا يقوون على الاستعمار ام هم خونة وكادوا يدمرون الحركة الوطنية التي لم تكن بالنسبة بورقيبة إلا حركة بورقيبية…..

وطبعا كان الحبيب عاشور يتابع المتصارعين عن كثب كان أيضا يتابع ما يجري في القصر الرئاسي وكانت وسيلة زوجة بورقيبة تحترم الحبيب عاشور وتراه قوة مهمة قد تقدم خدمات للحركة الديمقراطية الصاعدة جل عناصرها من شخصيات سياسية من العاصمة بقيادة أحمد المستيري و حسيب بن عمار ..وبما ان وسيلة تعتبر نفسها من العاصمة فهي التي تعمل على حماية هذه الحركة الديمقراطية ترعاها في صمت وفي الخفاء رغم ان بورقيبة كان يعتبر الحركة الديمقراطية منافسة له وتتحرك على نقد نظامه ونقده هو بالذات. ولذلك كان يقاومها دون عنف أمني….لأني لا أعتقد ان بورقيبة لا يعرف ان زوجته تميل إلى جماعة أحمد المستكبرين..

و قد حدث أن أراد أحمد المستيري في جوان 1977 تنظيم أول لقاء للمجلس الوطني للحريات في نزل أفريقيا إلا أن الأمن جاء بكثافة ومنع الاجتماع دون صدام…

إذن كل هذه العناصر قد تعاضدت لتصنع حركية جديدة في البلاد…كان يمكن أن تستغل من أجل تطوير النظام وتحسين وضع العمال وإعطاء نفس ديمقراطي للبلاد و العمل على توفير أجواء من الحرية للشباب ومختلف التوجهات خاصة وان الأطراف الاجتماعية وقعت على معاهدة العقد الاجتماعي وكان يمكن أن نتقدم بتونس اشواطا إلا ان النظام أظهر تفوقها على مصالحهم فيها القذرة كالنهب والسرقة والاستغلال….

وتأكد أن الهادي نويرة غير راغب في تفاهم اجدى وأكثر عدلا….مع توسيع مساحة الحرية الموجودة من خلال بعض الجرائد مثل الرأي لجماعة المجلس الوطني للحريات ومكوناتها لبعض المثقفين غير واضحة انتماءاتهم…إذن الوضع العام في البلاد مهم اجتماعيا ونضاليا ولو كانت هناك وطنية أعمق وإخلاصا أكثر لكانت المصالح قد ابتعدت قليلا عن الصراعات العادية .

إلا أن هذه المصالح هي التي انتصرت داخل النظام الذي ذاب في الحزب الدستوري الحاكم ..فلا فرق بين الدولة والحزب وهذا هو المشكل الأساسي الذي دمر الحياة السياسية و أفقدها الحراك الاجتماعي المنظم المعتمد على القوانين وعلى الحق والعدل….

وفي غمرة غياب الحراك السياسي خارج الحزب الدستوري كان الاتحاد العام التونسي للشغل يتطور من الداخل وأصبح الكثير من المنخرطين يرغبون في حراك أكبر للاتحاد بما أنه يجمع جل التوجهات وهو القوة العمالية المنتجة والفاعلة. وهذه الرؤية جعلت اعضاء قيادة الاتحاد يتوقون إلى استقلالية الاتحاد عن الحزب الحاكم …مما عمق الصراع مع الحزب و مديره محمد الصياح و الحكومة و وزيره الأول الهادي نويرة …

وهذه الصراعات التي كانت خفية بدأت تظهر في الإعلام وأصبح التونسيون يطلعون على الخفايا فجريدة العمل الناطقة باسم الحزب الاشتراكي الدستوري ومعها نظيرتها بالفرنسية «لاكسيون» انطلقنا بداية من منتصف عام 1977 في نقد الاتحاد ونقد المعارضين الذين لا يوصفون بالمعارضين او السياسيين او بأصحاب الأفكار المغايرة بل يوصفون بالصائدين في الماء العكر و أصحاب القلوب المريضة و الحاملين للأفكار الحاقدة والمعارضة المريضة..

وطبعا بدأت جريدة الشعب ترد الفعل وتصاعد رد فعلها مع ظهور ركن «رسالة العباسية»..وركن «حربوشة» لصاحب اللمحة الشهيرة في جريدة الصباح الصحفي محمد قلبي الذي أصبحت تونس كلها تعرف اسمه وهو اسم مناضل يكتب بطريقته الساخرة….

ويمكن ان نعتبر ان هذه الفترة كانت إعلاميا متميزة بهامش من الحرية يكبر شيئا فشيئا وكان يمكن أن يسعد المواطنون بها كما انها كانت ترضي كل السياسيين في انتظار شيء جميل يحدث كان يتم الاعتراف ببعض الأحزاب المعارضة .إلا أنها فترة لم تكن عادية. وهي تؤكد ان هناك امرا يحاك في الخفاء ..فقد بدأت تقفز الى عيون القراء أن الكتابة لم تعد عادية بل هناك نفحات من السباب والشتائم بين الأطراف المتصارعة مع التركيز على محمد الصياح مدير الحزب الحاكم..وكانت جرايد الحزب والحكومة وحتى الصباح اذا ما انتقدت الاتحاد لا تشن كلامها الناقد ولا تحاليلها الموجهة ضد الحبيب عاشور مباشرة..بل ضد القيادات ورؤساء النقابات و السياسيين خارج النقابات لكنهم ظهروا بشكل علني او شبه علني وبدأت البلاد تتابع بحذر وقلق اخبار الايقافات في كامل البلاد مع بعض المحاكمات هنا و هنا يرافقها تعتيم كامل…

وبدا الاتحاد بالإضراب وراء الاضراب في المؤسسات والمعامل وفي الوزارات ذات الأعداد الغفيرة من العمال والموظفين مثل وزارة البريد…

ومع غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار في كل المواد علنا وسرا وغياب بعض أنواع الخضر والغلال مثل البطاطا الذي ارتفع ثمنها بشكل لا يصدق…..مما يعني أن الغضب الصامت أصبح عاما في النفوس ثم اصبح علميا.

وانطلقت المظاهرات الطالبية بل حتى التلميذية وتم رفع شعارات في الشوارع ضد الهادي نويرة ومحمد الصياح وأحيانا ضد بورقيبة.

مما يشير إلى أن المواجهة انطلقت بالفعل وتعبر عنها الكتابات في الجرائد وخاصة في جريدة الشعب التي تمكنت من تسخين الأجواء الاجتماعية…وتحريك المجتمع ونشر رأي عام كان غائبا تماما او يكاد…رأي عام بدأ يكشف أن النظام يميل إلى رأسمالية مجحفة ومتوحشة أرسى قواعدها الهادي نويرة رغم ان الحزب يحمل اسم الإشتراكية الدستورية….

وفي مثل الأجواء من الطبيعي ان تبرز الأطماع الكبرى وتتحرك الرغبات المختلفة في النفوس وتصاعدت الصراعات وأوضحت التوجهات…..والغريب أن الطاهر بلخوجة وزير الداخلية لم يكن يتحرك ضد المعارضات والنقابات بقوة ولم يكن معلنا عداوة واضحة ضد الاتحاد ومما يشاع آنذاك أن الطاهر بلخوجة لم يكن إلى جانب نويرة والصياح برغبة من وسيلة بورقيبة التي كانت تلقب بسيدة تونس الأولى فهي كانت تعرف جيدا حقيقة صحة الرئيس وهي صحة متدهورة وكان الرئيس لاين ام ولديه.

هلوسات ومخاوف أقرب المقربين اليه أي أنها كان عليها ان تستعد لكل ما يمكن ان يحدث للرئيس بما يمكن ان يؤثر في مستقبلها من أنصارها …لذا دخلت في صراع خفي مع الهادي نويرة الذي كان واضحا أنه خليفة بورقيبة مما يعني استمرارية حكم الساحل وخاصة المنستير و وسيلة تميل إلى جماعة العاصمة الذين أعلنوا رفضهم لحكم الحزب الواحد رغم أنهم جميعا أبناء الحزب الحاكم وأصبحوا يطالبون بالديمقراطية..ويطلبون ترخيصها لحزب سياسي جديد.

في هذه الأجواء الساخنة بدأت تتبلور لدى القصر الرئاسي والحزب الحاكم ان الحبيب عاشور دخل في صراع من اجل افتكاك الحكم خاصة وان الاضرابات أصبحت موجعة ومخطط لها بوضوح كامل بالنسبة للمتصارعين الذين أصبحوا يحذرون بورقيبة من الحبيب عاشور الراغب في إزاحته.

ولاحظ الوزير الأول الهادي نويرة انه لم يعد ممكنا البقاء مكتوفي الأيدي و الخطر الداهم عليه وعلى النظام بصفة عامة فقرر التحرك بسرعة فائقة خاصة وان تحركات وزير الداخلية غير مريحة بالنسبة إليه و قراراته الأمنية هزيلة ولا توقف موجة الاحتجاجات والمظاهرات والإضرابات .

لذا خاطب عبد الله فرحات وزير الدفاع وطلب منه ان يختار ضابطا قادرا على مسك إدارة الأمن الوطني فوجه إليه فورا زين العابدين بن علي الذي قضى في المغرب الشقيق مدة طويلة ملحقا عسكريا إثر ظهور اسمه فجأة ضمن قائمة اعضاء حكومة الوحدة بين ليبيا وتونس بمعاهدة جربة وقعها الرئيسان القذافي و بورقيبة وتم اطلاق اسم الجمهورية العربية الإسلامية على دولة الوحدة وعاصمتها القيروان التي عاشت يوما واحدا .

فقد ورد اسم بن علي في قائمة حكومة الوحدة مكلفا بالأمن الوطني. وبما أنه لم يكن معروفا جدا في الأوساط السياسية فلم يكن غير مدير للأمن العسكري وما كان ليكون اتصالات صغيرا لولا صهره الجنرال الكافي الذي تكفل بالترقيات السريعة لزين العابدين بن علي الى درجة انه ارتقى إلى رتبة عسكرية لم ينلها الحاصلون على البكالوريا والدارسون في مدرسة سانسير لمدة أربع سنوات…..

واضح أنه أحدث الحيرة في نفوس رجال السلطة فكيف تم إقتراح اسمه ضمن رجال الدولة الجديدة ..هل ما كان من رجال القذافي….ولذا تم بعد فشل الوحدة إلى المغرب في سفارتنا هناك..
ونعود إلى الهادي نويرة الذي جاءه من وزارة الدفاع زين العابدين بن علي بالبذلة العسكرية فأمره بأن يعود اليه بعد ساعة في بذلة مدنية..وكان له ذلك وفي ذلك اليوم من منتصف شهر ديسمبر 1977 كان الطاهر بالخوجة خارج تونس ودون إعلامه انتقل الوزير الأول الهادي نويرة إلى مقر الداخلية ونصب زين العابدين مديرا للأمن الوطني وحمله مسؤولية كامل الامن وصلاحيات واسعة لفرض الأمن في المظاهرات وفي الأماكن التي توجد بها الاضرابات…….

إذن لا يمكن أن يمر تعيين عسكري على راس الأمن ليمر بشكل عادي و« حربوشة» يمكن أن يتم تمريرها هكذا …وفهم الاتحاد ان السلطة تبحث عن طريقة لإغلاق باب التفاوض السلمي والهادي مما جعل المشاهدات الكلامية في الصحف تتعالى أعلى درجات الحرارة و لتواصلان المواجهة قريبة ….فقرر الحبيب عاشور تحت تأثير الهيئة الإدارية الزاخرة بقيادات متميزة بنضالاتها وتوجهاتها السياسية الانسحاب من عضوية الديوان السياسي للحزب الاشتراكي الدستوري مما يؤكد أن الاتحاد قرر نهائيا ان يستقل بنفسه ويصبح قوة على حدة بعيدا عن النظام الحاكم وهو ما يشير إلى انطلاق معارضة بارزة في تونس.

وحاق الخطر بكامل رجال النظام وأعضاء الحكومة..وهو ما جعل اللغة السياسية فقدت كامل لياقتها وكان زين العابدين بن علي مدير الأمن يقاوم المظاهرات الاحتجاجية بقوة ويلاحق الطلبة والتلاميذ بعنف واضح محاولاته التعسف على العمال المضربين في بعض المؤسسات..

والتطورات هذه جعلت الاتحاد يجتمع يوم 22جانفي1978 في حالة طوارئ ويتخذ قرارا بالإضراب العام يوم 26 جانفي اذا لم تتوقف الحكومة عن الملاحقات والتعسف والإيقافات التي شملت الكثير من العمال والمعارضين مع تشجيع الجرايد اليومية الحزبية العمومية وشبه المستقلة على ضرب الاتحاد….
في هذه الأجواء الملتهبة زار المناضل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك برغبة منه التوسط بين الاتحاد والحكومة بما يعني التوسط بين الحبيب عاشور..و بورقيبة.

و فعلا تقابل الزعيم ياسر عرفات بالرئيس بورقيبة فوجده في قمة الغضب وهو رافض لأي تفاهم ما لم يصمت الحبيب عاشور ويعود الى الديوان السياسي…وتقابل الزعيم الفلسطيني بالحبيب عاشور فوجده هو الاخر له شروطه التي لا يمكن أن يقبل بها النظام ..وقد احتفل الحبيب عاشور بالزعيم وأقام على شرفه احتفالا عماليا في بورصة الشغل التي اكتظت بجماهير من كل القطاعات الاجتماعية والتوجهات السياسية.

وفي ذلك اليوم كانت جريدة العمل الناطقة باسم الحزب الحاكم قد اتهمت في افتتاحيتها الحبيب عاشور أصبح يكن علي افتكاك الحكم لأنه يحقد على بورقيبة ويرغب في ان يصبح رئيس البلاد مستغلا اتحاد الشغل … في هذا الاجتماع الاحتفالي بالزعيم ياسر عرفات قال الحبيب عاشور »أنهم يتهمون الحبيب عاشور بالرغبة في الرئاسة ..وماذا فيها فهل ان الرئاسة هي حكر على بورقيبة « .
وهذه الجملة هي التي جعلت بورقيبة يقرر المواجهة مهما كان الثمن ودعا إلى اجتماع طارئ لأعضاء اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الدستوري وقال بورقيبة يومها «يريدونها معركة فنحن لها فما دخل الحزب معركة إلا وخرج منها منتصرا. «

كان واضحا من بورقيبة أن الحزب أعد المواجهة وأن الحكومة استعدت لكل ردود الفعل……
وأني أرى منذ مدة ان الاتحاد قد أخطأ إذ لم يتراجع في الإضراب العام …كان يجب أن نكون أغبياء حتى لا نكون متأكدين أن الدولة قد أقرت عزمها لضرب الاتحاد وقمع المظاهرات مهما كان الثمن لأن بورقيبة لم يكن رمزيا في خطابه بل كان واضحا ومباشر وقد قال أنها معركة وهو متعود على الانتصار بما يعني الدم والسجون والمحاكمات وإنهاء دور الاتحاد الذي لم لا يمكن أن يواجه الحكومة والحزب أي الأمن والجيش الميليشيات.

وهذا ما تم بالفعل فقد أستعد بورقيبة الاستعداد الكبير من كل الجوانب……

وفي يوم الإضراب العام الخميس 26 جانفي بدأ العمال يتجمعون بنهج محمد علي ومع تقدم الوقت فاض النهج بالناس وأصبحوا يتحركون نحو شارع بورقيبة عبر نهج روما وشارع فرنسا…وتزايدت إعداد المحتجين المطالبين باستقلالية الاتحاد وتحسين أوضاع العمال ….إلا أنه فجأة تحركت جموع من الأوباش من داخل المحتجين وبدؤوا يكسرون الواجهات البلورية …كان من الواضح أن محمد الصياح أنزل الميليشيات الحزبية التي تم بعثها لضرب المظاهرات والاحتجاجات …..وكان واضحا ان الحزب الحاكم قرر المواجهة بكل ما يملك من قوة مع النظام بوزارة الداخلية ووزارة الدفاع والإعلام وأعطى بورقيبة الأمر بإطلاق النار بعد أن انزل الجيش وكافة رجال الأمن في كل جهات البلاد ولا فقط العاصمة …وخرج زين العابدين بن علي على طائرة هليكوبتر التي كانت تحلق على مسافات جوية وسط شارع بورقيبة بتونس قريبة جدا من الأشجار وقيل انه كان يطلق النار من طائرته…….

وعم الطلق الناري في كامل البلاد ..لأن خروج الناس المحتجين كان في كامل الجمهورية …….
ومع إطلاق النار تزايد التكسير والحرق الذي شمل السيارات الخاصة والحافلات …ونزل المجرمون …والتحق بهم العاطلون من الأحياء الحزامية حيث يتزايد فيها الفقر و الخصاصة.هاجموا الأحياء المترفهة نسبيا مثل باردو والمنازه.التي كانت لا تتجاوز المنزه السادس.تزايدت عمليات الحرق والتكسير والانطلاق النار والقتل…

وحدثت الكارثة وكادت البلاد تحترق وسالت الدماء………وكانت المأساة الكبرى التي ألمت العالم كله……….و تحول نظام بورقيبة إلى نظام يمكن وصفه بالفاشي المجرم…….

وأصبحت تونس بلادا ثائرة….وكان الخميس الأسود اليوم الذي فتح الباب لبلورة حركة نضالية طويلة المدى نحو إسقاط نظام ديكتاتوري قاس و شخصاني …يكثر فيه الطامعون و الناهبون.




Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات