خلينا من عقلية المؤامرة، واقعيا: ثمة من اشتغل على إحداث شرخ في العلاقة التاريخية بين تونس وليبيا، وهي تتفاعل الآن كما يقول نصر بن سيار الليثي الكناني آخر ولاة الأمويين: "أرى تحت الرماد وميض جمر *** ويوشك أن يكون له ضرام"، وأعتقد أن الخطة بدأت منذ أشهر، وكانت زيارة السيد الرئيس إلى طرابلس في مارس 2021 فرصة لإطلاق الكثير من الإشاعات مدخلها كلها أن نظام الحكم في ليبيا ذو توجه إسلامي قريب من النهضة، لذلك ينظر بريبة أو لا يحب السيد الرئيس الذي لا يجاهر بعداء النهضة لكنه عمليا يستهدفها ويستهدف حلفها التركي القطري المساند للحكومة الانتقالية،
كما تم ترويج إشاعات خطيرة عن أن رئيسنا يخدم المصالح الفرنسية التي تعاني من رفض ليبي صريح في الغرب، ولذلك تأتي خرافة الـ 100 إرهابي الذين يتدربون لاحتلال تونس، لكن أين؟ في قاعدة الوطية التي أخضتها تركيا حليفة الحكومة الليبية وحركة النهضة، لكي تبدو الخرافة قابلة للتصديق عند الحمقى المتعطشين لخلق الأعداء وخوض معارك وهمية،
بعد ذلك، تأتي أحداث مريبة مثل غلق الحدود البرية والبحرية والجوية لأسباب واهية، وتبادل التهم حول من هو السبب في ذلك، ثم اللجوء إلى الشرطة الدولية للاستعلام عن شيء يفترض أن استخبارات تونس تعرفه مباشرة ولا تحتاج إلى وسيط لمزيد الاستفسار عنه، وهي إشارة، ليس فقط على أن التيار لا يمر بين البلدين حتى في الأمور الضرورية العاجلة، بل أيضا احراجا للسلطة الليبية بدعوتها إلى الإجابة على مخاوف تونسية عن طريق وسيط دولي رغم وجود اتفاقية أمنية تونسية ليبية منذ 1985،
قد يكون ما أكتبه هنا هواجس لا مبرر لها، لكن يكفي النظر إلى ما يكتبه الأشقاء الليبيون هذه الأيام عن إغلاق الحدود من الجانب التونسي، لكي نستعيد "أرى تحت الرماد وميض جمر"، ما ينقص المشهد، هم الشعبيون الذين في مقدورهم إقامة مذبحة حين يتم إطلاقهم في أي موضوع، رحم الله الباجي قايد السبسي، كان في مقدوره أن يخمد نيران الشعبوية بحركة واحدة من يده، إنما، أحس أن ثمة من يشتغل على إفساد علاقة تونس بليبيا، بعد أن فشل في تحقيق أهدافه الأصلية،
في انتظار تكليف بمهمة من السيد الرئيس،
ما يكتبه الكثير من المحسوبين على مهنة الصحافة من هواجس وأوهام حول التعيينات في الإعلام يذكرني بـ"عمك صلاح العامري" الله يرحمه وينعمه، مؤسس دار أنوار والشروق وأفضل صانع صحفيين في تاريخ تونس، كانت عنده خدعة طريفة: يعترضك في مدرج المبنى، يتجاهلك أولا ثم يلتفت إليك: "باسبورك حاضر أنت؟"، تفرح أنت: "أي سي صلاح" حتى إن لم يكن كذلك، أملا في استخراجه بالعلاقات في ساعات، لأن سؤال الباسبور هو وعد بمهمة مهنية مجيدة خارج الوطن، بما معها من إغراءات السفر والاكتشاف وفرصة المجد المهني، دون اعتبار القضية والتسوق،
تقول لنفسك: أخيرا لقد وقعت تحت دائرة الاهتمام، إنما تكتشف مع الوقت أنها كانت مجرد مزحة، أو رفعا للمعنويات، ربما استقصاء للولاءات داخل المؤسسة، كثيرون صدقوا وهم الإجابة على السؤال وانخرطوا في قمع زملائهم لمزيد التقرب من الوعد، المهم: الآن ثمة مجهولون يتصلون بصحفيين في الإعلام العمومي والخاص: "ملفك حاضر ونظيف؟"، أي (حتى إن كان قذرا وتنقصه الكفاءة)، "لا مش على حاجة، أما تذكرناك اليوم، خلي تاليفونك محلول"،
أنتم من؟ "نحن الآخرون"، وعينك ما تشوف إلا النور من الصراعات غير الشرعية، السرية والمعلنة، حيث خلقت تلك الأعشاب الطفيلية والطحالب التي اسمها بطانة صحفية من أجل الرئيس، هو نفسه لا يعرفها، لكنها تطبل له، على أمل "تكليف بمهمة من السيد الرئيس"،