أكبر مجال لبيان نفاق الدولة وسوء نيتها تجاه مواطنيها واختراعها طرقا لإفساد موظفيها هي احتكاراتها: المشروبات الكحولية والتبغ ورخص الصيد التي تثقل عليها الأداءات لتمويل الميزانية، النتيجة الواقعية لهذه الاحتكارات كارثية: 40% من المشروبات الكحولية تباع في السوق السوداء وهي ثروة طائلة لا أحد يعرف حجمها لا تدفع الضرائب وتذهب الى عالم الإجرام المنظم تحت نظر موظفيها الذين يفترض أنهم لا يفعلون ذلك لوجه الله، حتى أن أحد "الاعلاميين" المشهورين ضرب ربطية طويلة لأنه طلب 800 ألف دينار (2000 مرة الأجر الأدنى) مقابل وساطة في رخصة شراب،
هو لم يقع لأن ذلك جريمة بل بسبب شجار بين الوسطاء، نأتي الآن الى التبغ الدخان، الدولة تسعره ب4200 مثلا لكنها لا توفره الا لأصحاب الاحتكارات، النتيجة يباع ب6000 في الأكشاك لأن المشرفين على الاحتكارات يأخذون نصيبهم، فيما يمثل نصيب ميزانية الشعب شيئا ضئيلا من الثمن الحقيقي للتبغ، النتيجة ايضا: أكثر من نصف التبغ المتوفر في السوق مهرب لأنه لا يدفع إلا ثمن رشوة الطريق،
ملايين المدخنين يدفعون لمصانع آسيوية ولإفساد آلاف الموظفين لفتح الطرق أمام التبغ المهرب، ثم رخص الصيد التي بلغت رشوتها في بعض الأوقات 35 الف دينار، وهذه الرخصة من أشد الأشياء غموضا في تونس، تتخفى أحيانا وراء مكافحة الإرهاب وأحيانا أخرى وراء حماية الثروة الحيوانية وهو مبرر لا يستقيم إزاء حملات الإبادة لهذه الثروة دون رخص، إكراما لمن هم في الدولة او حتى لغياب الدولة علنا، تخيلوا لو تتخلى الدولة عن إسناد رخص الصيد وأسلحته الى المجتمع المدني او مؤسسات عمومية بشروط واضحة تكون الدولة قادرة على مراقبتها؟
وسواء تعلق الأمر بالمشروبات الكحولية او التبغ او أيا من احتكارات الدولة، فإن المستفيد الوحيد هي الرشوة والإجرام المنظم الذي تفوق مرابيحه مرابيح تجارة المخدرات على خطورة مآلاتها، توه انت عندك دخان وطني رديء، ثمنه المعلن 4200 لكنه يباع ب6000 ودخان مهرب ب3000 وجودته تبدو أفضل، متوفر دائما وبنفس الجودة، تتساءل: طالما ثمة مافيا وطنية للاحتكار ومافيا أجنبية تتعامل مع مافيا وطنية للتهريب، يبقى المهم: من الأقل ثمنا؟
للختام: الانقطاع عن المشروبات الكحولية او التدخين يحتاج خطابا أخلاقيا وهو دور المجتمع المدني والأجسام الوسيطة، لا أحد سيصدق الدولة وخصوصا عون الأمن حين يلقي خطبة عن مضار الشراب، فهذا مثير للسخرية وينتج رد فعل معاكس،