أيا كانت ضآلة دوري، فأنا صحفي يحاول كتابة التاريخ اليومي الصغير، وكنت شاهدا من مواقع مختلفة على أحداث مفاتيح: لقد ضاقت الدنيا بالسيد المنصف المرزوقي رئيسا إزاء الفوضى التي حكمت البلاد وهو يرى ضيق حدود صلاحيات الرئيس لكن الوضع كله وقتها كان استثنائيا وفوضويا،
ورأيت أيضا السيد الباجي قايد السبسي يكاد يجلط كل يوم بسبب ضيق صلاحياته رئيسا منتخبا وهم يعفسون على ساقيه ويلعبون حوله وعليه ويجعلونه يأكل الغصة وراء الغصة بقطع النظر عن الأسباب، خصوصا حين انقلب عليه "ابنه السياسي" يوسف الشاهد بمباركة النهضة، بقطع النظر عن أي تقييم للسياسات والمصالح وعلاقات اللوبيات وحتى معارك فلوس رخص الشراب،
لكن الدستور كان قد استقر على تقييد صلاحيات الرئيس، وترك السلطة التنفيذية وصناعة السياسات والتعيينات لرئيس الحكومة مدعوما بشرعية مجلس النواب، ولا شك أن الباجي قايد السبسي قد رأى في تلك الأيام عواقب خزعبلاته السياسية في 2011 وما تلاها حين نصب كل الفخاخ الممكنة لخصومه فكانت نتيجة منطقية لنهايته محاصرا، تماما كما ابتلى الله حركة النهضة بالنتائج الوخيمة لرهاناتها الفاسدة على أشخاص عديمي الكفاءة إن لم أقل شيئا أكثر بذاءة،
الرئيس قيس سعيد لم يرض بما عاشه من سبقه، وربما خطط لذلك قبل أن يصبح رئيسا، سعى منذ البداية إلى سياسة منصة الصواريخ ضد الحكومة وأنصارها وضد الفصول المحددة لسلطته، أزمة كوفيد مثلا لم تكن سوى مبررا، عندما ركب رأسه بدأ بإهانة قادة الكتل بإجبارهم على تقديم ترشيحاتهم في قاريطة الحراسة أمام قصر الرئاسة، بعد أن دخلنا لعبة من يعين الحكومة، استقالة حكومة الفخفاخ كانت فخا معدا مسبقا، هدية قدمتها النهضة بغبائها،
من جاء بحكومة المشيشي ومن رفض المرشحين للمحكمة الدستورية وتعطيل إمضاء القوانين ثم رفض الوزراء الحائزين على ثقة البرلمان كلها كانت مجرد تفاصيل في قصة الصواريخ الرئاسية، حتى الخبر الذي نشرته Middle East Eye البريطاني عن خطة للانقلاب الناعم على الديموقراطية تبين صدقيتها بدقة مذهلة، العركة كلها على السلطة المطلقة، لذلك تذكروا زياراته إلى ثكنات الأمن والجيش والخلاف حول من يحكم الأمن بصفته قوات مسلحة،
السؤال هو: من يحكم قبضته على السلطة الحقيقية والوحيدة في برّ تونس والتي تنشأ منها كل السلط: الأمن بما فيه من أجهزة إيقاف ومراقبة ومنع وإقامة جبرية وإحالات إلى النيابة، المعركة اليوم في إخضاع النيابة لقصة منصات الصواريخ، أين ستقف الحكاية؟
أنا لا أدري، العميد الصادق بالعيد يقول إن دوره يقف عند حد تقديم مقترح دستور، لكن الدستور لا يصنع السلطة الحقيقية في تفصيلها اليومي، ثم إن الدستور في برّ تونس منذ 25 جويلية الماضي أو بعد 25 جويلية القادم، تستطيع أن تمسح به ما تتخيله في هذا النص، إذا كانت كل السلط بيد خصمك،
أنا أصدق السيد الرئيس في حواره مع جريدة الشارع المغاربي، 12 جويلية، 2019، الرابط:
https://acharaa.com/…/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B1…/