وما دمنا في هذا الصيف القائظ، فمن الوجاهة أن نقرّ أن الصيف لم يعد منذ زمن بعيد يتحمل الفقراء وسأبين لكم كيف انتهت علاقته الرومنسية بالفقراء ونهاية أسطورة الدلاعة والبحر والسهر ليتحول إلى فصل الغنى الفاحش، منذ عشرة أيام "استولى" ابني على سيارة العائلة فجربت أن أمتطي المترو من ضاحية المروج إلى وسط العاصمة، نزلت في محطة المستشفى العسكري بعد أن انسد لي النفس وغرقت في عرق غزير من رأسي إلى صندالي وأكملت بقية المسافة مثل "عبد حبشي على طريق الهجرة إلى المدينة" حتى ساحة برشلونة، على رأي الشاعر الصغير أولاد أحمد،
بالشوية لنتحدث عن الصيف: أرخص دلاعة عائلية بخمسطاش إنلف وثمة احتمال بأربعين بالمئة أن تطلع ماسطة وفيها عروق بيضاء وطعم البطارية، رغم ذلك تأخذها مع أسرتك إلى البحر حيث لم يعد أي متر مربع حرّا: مرحبا يا حاج: الباركنغ الصباح بألفين والعشية بألفين، إذا تبقى بعد الخمسة بخمسة لاف وهز الحاجات الثمينة من كهربتك عيش خويا، الباراسول بعشرين والكرسي بثلاثة لاف ودبوزة الماء بثلاثة لاف، 35 دينار من حيث المبدأ دون اعتبار الماقرونة بالدجاج،
العشية، الناموس والضجيج ودوي سيارات المازقري الذين يعتقدون، وهم على حق، أن بلادنا بلا قانون وهم يتسابقون في الكياس مع أغاني الراب البذيئة أو يملأون متاجر الحماصة "اعطيني رطل لوز ورطل كاجو وزيدني رطل فستق وكعبتين كوكا وشكلاطة قداش خويا؟" 150 دينار بابا (يمد له ثلاثة أوراق بو خمسين) وأنت ماذا تزمّر هناك في جيبك خمسة لاف؟ ، ثم الساهرون تحت البيوت يشربون النبيذ الرديء والبيرة الساخنة حتى أذان الفجر مع المقاهي التي لا تغلق أبدا، والأعراس فوق السطوح حيث "رقدح الرقدح" وذري تلعب بشان ستيريو منذ أربعة أيام حتى تدوخهم الحرارة،
في الأثناء، فرضا أن عندك مكيف 24 ألف بي تي أو تتجمعون تحته مثل القطط، عندك جواجئ لتدفع فاتورة كهرباء بخمسميا أو ستميا ألف؟ وكيف سيكون لونك عندما تنقطع الكهرباء فجأة عند الحادية عشر ليلا؟ زيد لها انقطاع الماء؟ صافا؟ باهية المواطنة والصيف توه؟
ثمة أماكن لا ينقطع فيها الماء ولا الكهرباء أبدا: النزل، أقل عرض تحصل عليه: "أنت والمدام 250 دينار، تحب الصغار في غرفة واحدة؟ 350 دينار، في خمسة أيام نهاية أسبوع: ثلاث لاف دينار مسيو، والله عملتك سوم مسيو والدفع مسبقا ولا نقبل الشيكات"،
قبل عشرين عاما، كنا نقول إنه في صيف العاصمة يجب أن تكون سيارتك مكيفة وقوية ومكتبك كذلك وبيتك مكيفا وأن تسكن في حي راق يتركك جيرانك فيه تنام ليلا، أما اليوم، لكي تكون محترما في الصيف فيجب أن تعد نفسك للهرب من هذه البلاد، برى لتركيا خويا حيث الحياة أقل كلفة وإزعاجا،