تبدأ "تشتغل على نفسك رايض"، فيعترضك سؤال غريب في موزاييك: "هل مشروع الدستور ينهي أزمة البطالة في تونس؟"، وهو سؤال خارج السطر تماما بقطع النظر عن صياغته العليلة في تأخير الفعل عن موضعه من الجملة، لأنه ليس هناك أي دستور في العالم يضمن لك الشغل إلا في الدول الاشتراكية، حين يقول الفصل الثاني فيه: "الدولة تحتكر امتلاك كل وسائل الإنتاج وتديرها" وقتها قد يصبح التشغيل آليا من واجب الدولة في إطار خططها العمومية، سواء كانت تحتاج إليك أم لا،
والحقيقة أن التشغيل ليس حتى مهمة الحكومة التي يقف دورها على إصدار القوانين التي تحفز الاستثمار وخلق الثروة الذي يخلق الحاجة إلى العمل وتحاسب على النتائج، وهنا، أتذكر موقف الدكتور منجي مرزوق أيام وزارته في الطاقة والمناجم حين قال إنه لن يمضي على أي قرار انتداب إلا وفق حاجة المؤسسة وبالمناظرة العادلة لاختيار الأفضل،
لأن أسوأ ما حدث للمؤسسات التي تملكها الدولة هو إغراقها بالعمال الذين لا تحتاج إليهم باسم السلم الاجتماعية والتي تبين أنها في الحقيقة فساد وكان فيهم أعوان أمن وموظفون عموميون وأناس حرقوا من زمن، وأتذكر أننا، كل يوم تقريبا، نجد أشخاصا في قاعة الانتظار في الطابق الخامس بالوزارة من نواب البرلمان ومن السياسيين المغمورين والوسطاء المحليين وغيرهم، يحمل كل واحد منهم أوراقا بأسماء ممن "يجب تشغيلهم في أقرب وقت" في شركات المناجم والنفط حتى الخاصة أو الأجنبية بالضغط عليها، مع تحذير ضمني أن ذلك هو أقل شيء من أجل شراء السلم والهدوء،
أعود إلى السؤال الطريف: كيف يمكن للدستور أن ينهي أزمة البطالة؟ يعني يخفضها من 20% حاليا إلى 5% مثلا كما في ألمانيا؟ أو أن يضمن تشغيل الجميع أيا كانت خبراتهم "بالسيف" على أصحاب المؤسسات القليلة الصامدة في هذه الأيام الصعبة؟ أم يرميهم لقمة سائغة إلى البنوك والإدارات البيروقراطية باسم المؤسسات الصغرى والناشئة التي ينتهي 85% منها إلى الإفلاس واللوسي؟ ثم ما هي البطالة التي سينهيها طالما هناك أنواع مختلفة من البطالة؟
أنا شنوه يغيظني في السؤال؟ أن الجماعة يعرفون "الداعي والدعداعي والركوب برداعي" من هذا المنوال الاقتصادي القائم منذ الأزل على احتكار الخليفة/ الأمير/ الباي/ الرئيس والولاة لخلق الثروة وجعلها هدية منهم للموالين لهم وحرمان من يعارضهم من خلق الثروة وتجريم ذلك بالخطية والسجن والضرائب الفاحشة وredressement fiscal والمكلف العام بنزاعات الدولة وتوظيف الإدارة عبر التراخيص والملفات للحفاظ على احتكارات تلك الفئة الموالية،
لقد بلغ نظام بن علي مرحلة غير مسبوقة في هذا المجال حين كان أعوانه يطردون معلمة بعد ربع قرن من التدريس لأن زوجها معارض واعتماد تقارير الوشاية السرية في تقييم ملف الانتداب "متاعنا وإلا مش متاعنا" حيث يجب أن يضمن فيك حراس الثروة لكي يفتحوا لك باب أكل الخبز، فما بالك بإنشاء شركة وخلق الثروة؟ لعبة هي؟ تي هو بارابول فيه 6 قنوات كان يتطلب 12 رخصة حكومة في 1992 منها وزارة الدفاع ووزارة الداخلية، الدولة تصارع من أجل احتكار الحياة والترفيه والهواء نفسه،
هذه الدولة تحتاج إلى تفجير إدارتها ورفع يدها عن الاستثمار وإعادتها إلى حجمها الطبيعي بـ 150 ألف موظف على الأكثر وإلغاء كل التراخيص وإخضاع الموانئ إلى الرقمنة الكاملة والمراقبة المطلقة، هذه الدولة تحتاج إلى من يجبرها على تحمل مسؤولية التعطيل والفوضى وإنهاء الاحتكارات متاع "أعطه رخصة شراب" وأرض من الملك العام و500 مليون دينار من بنك عمومي دون ضمانات، خليه "يهبط" على رؤوسنا 10 حاويات من خزعبلات الصين دون ضرائب توريد، وكان دخل في منافسة مع آخرين من جماعتنا وشدوا فيه الديوانة، توه تطيح الخطايا بمرور الزمن أمام محكمة التعقيب،
كل هذا، وأنت تقول لي "هل مشروع الدستور ينهي أزمة البطالة في تونس؟"، تي هو الدستور يجب أن ينهي طرح الأسئلة السخيفة والشعبوية، الحنش يوظف 660 ألف موظف عمومي لاحتكار خلق الثروة وأنت تقول لي الدستور؟