عاد مرة في فرنسا في أكتوبر 2005، بلد الحريات والحقوق، لطخني ثلاثة بوليسية CRS مما يسميهم الفرنسيون "شميت" Schmidt في إشارة إلى البوليس الألماني العنصري أثناء استعمار فرنسا 1940، ضغطوا بأحذيتهم الحربية على كلتا يدي وظهري ووضع أحدهم بندقية صيد خنازير fusil à pompe على رأسي، (والله)، عندما صرخت "je suis journaliste"، رفع أحدهم ساقه عن يدي اليمني، أخرجت بطاقة الاحتراف الصحفي التونسية القديمة الحمراء التي تشبه الكرني، قرأها، ابتعد زملاؤه عني، اعتذر لي وجلب لي قارورة مياه معدنية ومسح بيديه البوليسيتين الكريمتين وجهي وملابسي في سيارتهم،
(والله)، قال لي بأدب جمّ إنه سوف يعطيني اسمه ومرجعه المهني للتصالح أو الجوء إلى القضاء إذا حدث لي أي ضرر بدني أو مادي في معدات عملي، ولم تكن لي أية معدات عمل، كنت وقتها أقضي أياما غريبة في أكتوبر 2005 في ضاحية سان دوني شمال باريس محاولا إنشاء مؤسسة فرنسية للاتصال والثقافة مع أصدقاء فرنسيين حيث كان دوري المساهمة بالبرمجة الإعلامية وتصميم الموقع، ثم تشتعل الضاحية الشمالية فجأة من كليشي سو بوا إلى فيرماي (Montfermeil) مرورا بكل الضاحية الشمالية التي أدت إلى حرق أكثر من 4 آلاف سيارة بسبب وفاة مراهقين: زياد بنا وبونا تراوري هاربين من مراقبة الشرطة فتسلقا محطة كهرباء مما أدى إلى احتراقهما،
شيء أقل سوءا من حادثة عمر العبيدي الذي دفعه البوليسية إلى الغرق في الوادي تحت شماتة "تعلم عوم" أو ذلك الولد الذي جروه في الملاسين حتى تعرى، أو الزميلة التي مارس عليها أحد أعوان الأمن في شارع محمد الخامس فازة كاراتي دون أي مبرر، سبب هلاك المراهقين ومشاكل الناس مع الشرطة هي عقلية "هات طاقة التعريف، شكون معاك، اش تعمل هنا، وين كنت، وين ماشي، تراه حل فمك، شارب؟" ناقص يقول لك حل كرشك لأرى ما فيها وأصلا البارح ماذا تعيشت؟ تصبح مقصودة وعدوانية عندما تستهدف صحفيا أثناء ممارسة عمله، الذي يفترض أنه لا يحتاج لرخصة سيادتك لممارسة عمله، الجواب: تعليمات، أيه والقانون؟
نحن لا نؤمن بالقانون، بل بالتعليمات، رئيسي هو القانون، وأنا أنوبه هنا بالتعليمات، ولذلك أنا هو القانون، ذات مرة، نحن قاعدين في دار الصحفي في مقرها القديم في شارع بورقيبة، وهجم علينا البوليسية لأن أحد الصحفيين كان يصورهم من الشباك في الطابق الثاني من المبنى، تقول أنت جاؤوا لأجله؟ لا، افتكوا عنوه كل الحواسيب المحمولة والهواتف وهربوا، اي، تصور: نتفاوض معهم من أجل استعادة المحجوز بالفلوس وبالترهيب والتوسل، ثمة من حاسبهم؟ أبدا؟
ما علينا، البوليسية الفرنسيين العنصريين schmidt طلبوا مني رقم هاتفي للتواصل معي، وجاءتني رسالة اعتذار من وزارة الداخلية وجاهزية للتعويض عن أي ضرر مادي قد يكون تسبب فيه أعوانها ودعوة إلى الاتصال بمحافظة الشرطة في ضاحية سان دوني Préfecture St Denis في الدائرة 93 التي كان يحكمها اليسار الفرنسي الجميل، حيث مقر الشركة التي أنشأتها مع أصدقائي،
ما علينا، أنا أحب أن أفهم: منذ 2011، اتفقنا على التغيير نحو الأمن الجمهوري والاحترام المتبادل في إطار القانون، بالقانون: أش دخل أعوان الدولة فيّ أنا، آش نعمل وعلاش ماشي لقرقنة وآش ننوي ومع شكون كنت ولشكون ماشي؟ هات لي قانون أو قرار حتى بلدي، في منع غير المقيمين من الذهاب إلى جزيرة قرقنة، هات لي قانونا في التضييق على ممارسة مهنة الصحافة أو اشتراط ترخيص مسبق في أي نشاط صحفي خارج مناطق الحروب؟ وتفضل، إما أن أناقشه أمام الإدارة التي أصدرته والدولة وإن لزم الأمر المحكمة الإدارية وهو ملزم لي ولك أيضا وإما أن أعلن المقاومة، وستكون أنت المواطن الضعيف مثلي في أول المواجهة من أجل حقي،
باهي: المواجهة أنا أخسرها معك بالقانون دائما، بدنيا في المواجهة وبالتعليمات أيا كانت الحال، لكن قدرتي على المقاومة باختراع طرق غير متوقعة للعمل هي التي تصنع الفارق، أنا أفكر في تلك المرحة الغبية التي تقول فيها لي دائما: "كانت تعليمات"،