في سويسرا تستيقظ صباحا وتغادر بيتك بقناعة أن ثمة دولة سوف تدمر لك حياتك عند أول مخالفة للقانون وأن الناس سوف يساهمون في التبليغ عنك وتحمل مسؤولية متابعتك إلى أن تشعف ويتأكدون أنك لن تكررها، لأن هناك صفر إفلات من العقاب والمحاسبة،
في "برّ تونس"، أنت تغادر بيتك بقناعة تامة أنه ليس هناك دولة ولا تطبيق للقانون ولا أحد سيسألك أصلا: لماذا أخرجت كراسي مقهاك ووضعتها فوق كامل الرصيف وعلى جزء من المعبد، لماذا حرقت الضوء الأحمر أو قدت سيارتك في الاتجاه الممنوع لكي تسبق صفا من عشرين سيارة يحترمون القانون أو لماذا وضعت سيارتك في قلب الطريق لمجرد السلام على صديقك، لماذا أغرت على الملك العام وضممته إلى بيتك أو قررت وضع براكة فيه للاستيلاء على الشاطئ وفرض إتاوة على بحر الله،
منذ أعوام طويلة، لم أر أعوان الدولة إلا في حاجتين: الأولى وقت خلاص معلوم الجولان، حيث كان لي صديق في الشرطة يزعم أنه يستطيع أن يرى من بعد 100 متر ما إذا كان عندي علامة الخلاص وبعدها تنسى الحكاية والثانية في الرادار المختفي في كمين وراء كالاتوسة: تطلع للسماء تهبط للأرض، "عندك 70 على 50"، فوتهم واجري بسرعة 140 أو اقترف أية حماقة، فلن يكلمك أحد، أتحدى أي أحد يقدم لي دراسة عن دور الرادار في التخفيض من حوادث المرور،
إذا عرفت كيف تتصرف وقت الفينيات وكمائن الرادار، فلن يسألك أحد عن شيء، طبعا لا يدخل فيها المرسوم 54 في تنظيم مرور الأفكار، فذلك نوع من "عنف الدولة غير قابل للتصنيف"،