بمناسبة القمة العربية الأخيرة وشماتة في كل الزملاء المحتفلين بـ"عودة الروح إلى العمل العربي وسوريا والكذا والشيء"، أتابع بمتعة "مازوشية" قديمة متجددة مواقف الإعلام المصري من هرب الرياضي الشاب أحمد بغدورة من دورة تونس للألعاب الأولمبية، "الطفل" كان ينتظر مستحقات مالية مقابل التفرغ للعمل الرياضي وتحقيق البطولات ورفع الراية الوطنية والنشيد الرسمي بمبلغ 16 ألف جنيه، شد روحك لبساطة المبلغ: 1400 دينار تونسي، أخذوا منها 14 ألف جنيه باسم الضرائب وتركوا له الباقي، برشة: ما يقابل 170 دينار تونسي،
إذا كنت تصدق أن الضرائب هي التي أخذتها باسم الشعب المصري فهذا يعني أن الدولة أكبر لص حرايمي، أما، أمورك. الطفل له ألف مبرر للهرب حتى إلى الجحيم من الدولة العربية، لكن الغريب أن إعلام المخابرات المصري وحلفائه من الدول العربية يستدرجونه إلى فخ غبي (الكلبة ولدت، إيجا نعطوك جرو)، فقد نشر الملياردير المصري متاع المخابرات نجيب ساويرس، أكبر مستثمر في إفشال الحريات العربية، وعدا للبطل الهارب بمبلغ مالي كبير لم يتم الإعلان عنه إذا عاد إلى مصر أما الناس الذي يمكنهم الكتابة خارج المحاسبة توقعوا أن يحولوه إلى الإيقاف التحفظي لستة أعوام في سجن العقرب بمفعول قانون الطوارئ الساري منذ اغتيال السادات بعد أن يكونوا قد اقتلعوا إلى الأبد منه ذلك الشيء الخبيث الذي اسمه التفوق وعدم سماع الكلام، لن يخرج من هناك إلا معاقا متسولا، درس ضروري لغيره،
المتعة المازوشية ترتقي إلى مرتبة الإنتشاء مع تفسير "الأجهزة الرسمية" متاع عقلية المخابرات العسكرية لهروب الولد هي طبعا المؤامرة العالمية على مواهب مصر والاستعمار الحديث الذي يستدرج هذه المواهب للهرب من دولها العظيمة إلى أوروبا الشريرة لأن السياق لم يعد يسمح بتوظيف حكاية المؤامرة الصهيونية (عيب بين الحلفاء).
الطفل قال لهم إنه سوف يشتري "كارط سيم" للهاتف، ترك أدباشه والملمة وإلي ثمة وأوهام المجد والنجاح في العالم العربي وقطّع الرباط مع الوطن وحكامه، هل هو الخامس أو العاشر من أبطال الرياضة في مصر الذي يستغل مسابقة دولية خارج وطنه الرائع للهرب؟ أكثر؟ أكيد لأن المسابقات الرياضية أصبحت أسهل طريقة للحرقة حتى أن هذه الدول الغبية تفرض إجراءات عسكرية على وفودها وتفتك منهم جوازات السفر.
بالشوية، عندي حكايتين مهمتين: الأولى نبوءة كتبها صحفي مصري نهاية الثمانينات بإمضاء مستعار باسم "العجوز" في ركن قار بمجلة "المجلة" السعودية، سأله أحدهم بمناسبة قمة عربية عن أفضل عاصمة عربية فكتب: "باريس"، وفي رواية أخرى لندن، عموما الدرس هو أن الاستعمار أرحم من حكام الوطن، عواصم من استعمرونا ونهبوا خيراتنا تبقى أفضل مجال للعيش واحترام حقوق الإنسان وخصوصا الإبداع والنجاح والحق الإنساني في التعبير دون أبي زعبل، وطريق سجن القلعة وأغاني الشيخ إمام من أشعار أحمد فؤاد نجم في قلب القومية العربية والكرامة ولا صوت يعلو على صوت البندقية والبلا بلا بلا، لا مقارنة هنا بسجن صيدنايا والمخابرات الجوية ورعب القمع في الدول العربية،
الحكاية الثانية، هي نكتة محلية عن ولد تونسي أراد الحرقة إلى إيطاليا، أبوه العجوز قضى ليال يحاول إقناعه بالبقاء بين أهلك وإماليك وحتى كان الرزق شوية، أما رضاء الوالدين والبركة والستر من عند ربي، الولد انتظر جمع صابة الزيتونات وضرب أباه بالبونية لكي يفتك الفلوس ويحرق، بعد عام، أيا كانت صعوبة الوضع، أرسل إلى أبيه ماندة بثمن الصابة، في العام الثاني بضعف قيمتها، في العام الثالث، غلبه الوحش والأصل الطيب، أرسل إلى أبيه 50 مليون تونسية مع رسالة اعتذار رقيقة لأنه لم يغفر لنفسه أنه ضرب أباه،
نظر الأب حوله إلى الجفاف والسمسارة وهلاك المواشي لنقص الأعلاف والقمح الخبز وبطالة بقية أبنائه وصعوبة الحياة والعلاقة مع الدولة والوضع العام، رد عليه الأب برسالة قصيرة: "ولدي الباهي، لا تنشغل، الآن أعرف أنك ضربتني على مصلحتي، بالتوفيق فيما أنت فيه"،