تحت تأثير النتائج الكارثية المتوقعة لتصنيف أمك صنافة، راجعت اليوم أكثر من ست مقالات مشابهة لما نحن فيه عن مسيرة نجاح كوريا الجنوبية بعد كوارث الجمهورية الخامسة في النصف الأول من الثمانينات وتفاقم الديون الخارجية وانهيار الإنتاج الزراعي في الريف، ثم معجزة سنغافورة التي راهنت على التعليم ومقاومة الفساد بقيادة لي كوان يو لتتحول من مستنقع للقمار والدعارة والمخدرات إلى أفضل نظام سياسي واقتصادي في العالم، حتى رواندا التي اختزلت في التسعينات أبشع ما يمكن أن تصل إليه الوحشية البشرية من إبادة جماعية،
فوجدت كثيرا من سر خيبتنا اليوم في تونس ما أدركته بنفسي من تاريخ تونس غير البعيد عندما كان المقهى يحتاج إلى رخصة من شعبة الحزب ولجان اليقظة والوالي ووزارة الداخلية، "رخصة شراب" لذي كان يباع عند العطارة تتطلب تدخل رئيس الدولة نفسه ورشوة بـ800 ألف دينار ، وكانت مصادر صناعة الثروة احتكارات صعبة يعطيها من هم في الدولة لمن هم معهم،
حتى الانتدابات في الوظيفة كانت تتم باحتكارات تقارير العلاقات الأمنية والحزبية، لقد قامت الحياة في دولة الاستقلال على الولاء وليس على الكفاءة أو المصلحة العامة، لذلك كان طبيعيا أن نصل إلى الخراب الذي نحن فيه اليوم،
العزيز الدكتور منجي مرزوق كان يقول لي عن الانتدابات: "لا يمكن أن تتم إلا حسب حاجة المؤسسة وبالتناظر لتمكين المؤسسة من اختيار الأكثر كفاءة"، لأن الولاء يعني عدم المنافسة العادلة من أجل الأفضل والأكثر كفاءة،
يعني:أيهما أسهل: أن تحصل على رخصة احتكار توريد شيء ما أو أن تعاني الكوارث البيروقراطية لصناعته في تونس؟
لا تتفاجأوا: عندما صدر قانون الاستثمار الجديد وفيه بعض الإعفاءات البسيطة على توريد قطع غيار لبعض المصانع، رفضت الديوانة حتى اليوم الاعتراف به لأنه "لم تأتها تعليمات كتابية في ذلك"،
وما دمنا في عملة أمك صنافة بنا، ثمة فارق كبير في التصنيف بين "س مع أفق مستقر أو إيجابي" و"س مع أفق سلبي"، في الثاني يعني أننا لسنا فقط مفلسين، بل أيضا وخصوصا ليس لنا أي مشروع للخروج مما نحن فيه، وجماعة أمك صنافة يعرفون جيدا أن حلولا مثل رفع الدعم تدريجيا وتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي وبيع المؤسسات العمومية لن يؤدي إلى إخراج البلاد من أزمتها بقدر ما سيضاعف نسبة الفقراء والعاطلين ويزيد الأغنياء غنى، بما يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي،