توه أكثر من سياسي وحتى نقابي في تونس يطالب برفض التدخل الأجنبي في "شؤوننا" ومنه موقف سفراء الدول السبع وزيارة وفد البرلمان الأوروبي وهذا جميل، ومن باب الأمانة، وقبل أن نحدد ما إذا كان تدخلا في "شؤوننا" أم شؤون السيد الرئيس، فإن هؤلاء يرفضون فقط "التدخل السافر" في هذه الشؤون الغامضة، وهذا يحتمل تقبل التدخل "المستور"، الذي يحدث على طريقة وصف الكاتب الكولمبي ماركيز عن "الأسطول السادس المقيم في مياهنا الإقليمية في مهمة ودية منذ خمسة وعشرين عاما"،
المشكل الوحيد في رفض "التدخل السافر" أنك حين تعد ميزانية نصفها قائم على الاقتراض ونصفها الثاني على فرضيات غير واقعية وعندك نسبة نمو سلبي وقرابة مليونين بلا دخل قار، فمن الأفضل أن تعلم شعبك بالاستعداد للجوع والتضحية، هذا فرضا أنك على طريق الحقيقة المطلقة، لأن اليونانيين عندما وصلوا إلى ما نحن فيه الآن عام 2009، لم يرفضوا التدخل السافر لما ضربتهم ألمانيا على أصابعهم بمسطرة المعلم الاقتصادي وفرضت عليهم التقشف وإنهاء الكذب على شعبهم مقابل المساعدة،
ثم إن المتهمين بـ"التدخل السافر"، استقر في أذهانهم، دون ثرثرة لغوية حول أصول السلطة عند مونتسكيو أن "الحد الأدنى" من الحكم الرشيد والفصل بين السلط والتداول السلمي على السلطة ضروري للشراكة والإقراض، وهم خاضعون إلى حد جيد لمراقبة مؤسسات دستورية وشعبية مستقلة ورأي عام في ما يخص ما يقدمونه لنا من مساعدات وهذا اسمه الفارق بين الحكم الرشيد الذي صنع رخاءهم والخطاب الشعبوي الذي نحن فيه، مع إجماع كل المفكرين والعقلاء أن الاستبداد بالرأي والقول بمليارات المليارات هو ثغرة تاريخية ينفذ منها الفساد، دون اعتبار أن ضمان السلم الاجتماعية ومشاركة الجميع في المسؤولية هو أحد الضمانات لسداد القروض، ولذلك أعطيت لجنة المالية إلى المعارضة دائما من أجل المحاسبة والتوازن، على عكس ما نحن فيه من طلب المساعدة دون أية ضمانات للسلم الأهلي المهددة حقا بالجوع واضطراب التوزيع وحتى تعطل الأجور، "من يضمن لي استرجاع فلوسي لو ساء الأمر وطاح النظام ورفض الجديد الاعتراف بالدين؟".
أنا أيضا أرفض التدخل الأجنبي في شؤوننا أو شؤون حكامنا، سافرا أو متخفيا بالنصائح الودية، لكني أحب الرجل عندما يذهب في الرجولية إلى آخرها ويقول كلاما قادرا عليه وليس على طريقة إذاعة أحمد سعيد الذي أعلن طيلة أيام عن انتصار ساحق للجيش المصري في حرب 67 قبل اكتشاف فضيحة الهزيمة، وعليه أقترح على هؤلاء الشجعان، في إطار الانتقام للكرامة والشرف الوطني والقومي من جريمة "التدخل السافر"، اعتبار ممثلي الدول السبع والاتحاد الأوروبي أشخاصا غير مرغوب فيهم في تونس وطردهم وقطع العلاقة معهم، "غير قد روحك وكون راجل"، تفضل خويا.