الشيخ العالم الجليل محمد الهنتاتي ضرب تسعة أشهر سجنا من أجل جريمة الإساءة عبر وسائل الإعلام إلى النائب سيف الدين مخلوف (موزاييك)، بعد أن توفرت له كل ظروف المحاكمة العادلة، وكان خصمه في السجن، وهذا من مفاخر نظام القضاء التونسي الذي يجب أن نثق به،
حسنا: اللهم لا شماتة، لكن خليك من وجاهة النظر إلى المنطق الذي حكم به القضاء واعتبار أن مجرد نشري لهذا الخبر يعني أني أشتغل عند سيف الدين مخلوف أو ائتلاف الكرامة وحتى "عاطي على السلفية الجهادية"، رغم أني لم أقابل الأستاذ سيف الدين مخلوف في حياتي أبدا ولا أظن أنه يستطيع أن يميزني وسط خمسة أشخاص،
لكن المشكل ليس هنا، بل في أن وسائل الإعلام كانت ولا تزال تحتفي بالكثير من خريجي السجون وتعتبرهم خبراء وقادة رأي، ولن أنسى ما حييت أني صدمت يوما بخريج سجون كان عون سجون "تكسر" من أجل قضايا مخدرات وأشياء أخرى، في أستوديو ستة بصفة خبيرا في المسائل الأمنية، قيل لي "كل وسائل الإعلام تدعوه"، ليس على أساس جفاف الأفكار والعلاقات عند معدي البرامج، بل لأن ثمة mot d’ordre يهبط في وسائل الإعلام لدعوة الشيطان نفسه للفتوى في التقوى،
وهذا يشمل كثيرا من المطلوبين للقضاء في قضايا أخلاقية ممن يحظون بالوجاهة بدل قادة الرأي الحقيقيين ممن يمكنهم تقديم التضحيات لقيادة الناس إلى الحلول وكشف تضاريس الطريق الشاقة التي نحن فيها، وعليه، أتذكر كل من دعا الشيخ الهنتاتي في برامجه وأتذكر le mot d’ordre، وأعرف أنهم جاهزون لانتظار خروجه من السجن لدعوته في وسائل الإعلام بصفته خبيرا، متذكرا طرفة العجل الذي وجد ثيرانا تنتظر عند حافة حقل أبقار تحرسه أسلاك شائكة: توخر وتقدم وتهجم (لا بد من توخر)، إن نجحت في تجاوز الأسلاك الشائكة فسوف تلقح الأبقار، وإن ضربت الأسلاك أعضاءك التناسلية فسوف تصبح خبيرا مثلنا،
حسنا، إن آخر خدعة هي أن البعض يضع أعضاءه التناسلية في فمه قبل القفز لكي لا يغامر بها، وهكذا، تكون كل تعبيراته وهو يوخر ويقدم، قبيحة ووقحة، لكنها مع الإعلام التونسي، تمكنه من الظهور ومن أن يصبح كرنوكا، على جمع كرانكة وكرونكورات الثيران، دون حاجة إلى القفز أو المغامرة،