لو أنهم أحالوا السيد صالح عطية على المرسوم 115 الخاص بمهنة الإعلام كما يقول المنطق الإجرائي وحسن تطبيق القانون وحسن نوايا السلطة تجاه الحريات والحقوق، لما بقي لنا إلا التضامن القطاعي معه، وهو أن ننتدب له أفضل المحامين للدفاع عن نفسه في محاكمة عادلة بصفته صحفيا يمارس عملا صناعيا خاضعا لجملة من المقاييس الصناعية مثل أية مهنة أخرى وفق ما تم تعريفه في قانون الشغل وملاحق الاتفاقيات المشتركة الذي هو قانون أساسي أعلى من المرسوم ومن الأوامر، عمل يتحمل الخطأ والصواب، أي خطأ صناعي يتمثل في كلام خال من أي ركن مادي،
أما وقد أخرجوا المدفعية الثقيلة للسلطة والمحكمة العسكرية: "الاعتداء المقصود منه حمل السكان على مهاجمة بعضهم بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي ونسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي دون الإدلاء بما يثبت صحة ذلك والمسّ من كرامة الجيش الوطني وسمعته والقيام بما من شأنه أن يُضعف في الجيش روح النّظام العسكريّ والطّاعة للرّؤساء والاساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات طبق أحكام الفصول 72 و128 من المجلّة الجزائيّة و91 من مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة و86 من مجلّة الإتّصالات"، فإن الهدف لا يمكن أن يكون إلا إثارة الرعب واللحم الذي يشوك وارتفاع دقات القلب خوفا "من للصبية بعدي"،
هم يدفعوننا إلى المربع الأصلي: الدفاع عن مبادئ الحد الأدنى من الحقوق والحريات، حيث نتفق جميعا على تجاوز التفاصيل من أجل إنقاذ ما بقي من شقف الحرية والاختصاص المهني الصناعي وعلى الوقوف في وجه تحويلنا إلى مشاريع مجرمين بحمل السكان على مواجهة بعضهم بالسلاح، حتى لمجرد مقال تحليلي أو تعبير عن موقف مخالف لرأي من في السلطة لأن هذا التصور القمعي للتعبير قد ينطبق غدا حتى على مسرحية أو أغنية راب طالما قد انطبق حتى على مدون غاضب في أقصى قرى الريف جروه إلى القرجاني أو العوينة حتى "خرث" من أجل تدوينة باسم حمل السكان على مواجهة بعضهم بالسلاح،
أنا أكتب لكم هذا لأني أتذكر كيف "اتخذنا" في الحريات وأولها حرية التعبير والصحافة في 1992 لكن والحق يقال أحيانا: لم يستعملوا ضدنا تهما من نوع "حمل السكان على مواجهة بعضهم بالسلاح"، لكن التضييق على الإعلام دفع جزءا كبيرا من زملائي إلى الحلم بمدح الطاغية مجانا متطوعين وشتم خصومه بمقابل، وقتها لم تعد الصحافة عملا صناعيا مضبوطا بمقاييس صناعية، بل عمل هواة وشذاذ آفاق وهاربين من مهنهم الأصلية لاعقو أحذية من في الحكم كما ترونهم اليوم متنكرين في هيئة "كرانكة" في وسائل الإعلام متاع الكاسارونات،
تحلمون بالقوادين ولاعقي الأحذية؟ لو نفعوا، لنفعوا بن علي، كان أكثر منكم دهاء وكان أوضاع البلاد تسمح له بشراء الذمم ورغم ذلك، فقد لبسوا السفساري للتفصي من جرائمهم، صحيح أنهم عدوها علينا وعادوا إلى مواقعهم سالمين للفتوى للحاكم الجديد، لكن من لا يتعظ من دروس الماضي يستحق أن يعيدها كاملة، بألم مضاعف،