قرأت في إذاعة موزاييك أن المحكمة الإدارية قضت بالرفض شكلا لمطلب إيقاف تنفيذ الأمر الرئاسي عدد 117 في تجميد أجور النواب وتغطيتهم الصحية، تقدم بها حوالي 20 نائبا مجمدا،
والدعوى في أصلها، كان يجب أن تكون مدنية ضد الدولة الوطنية في شروط فك العقد بينها وبين نواب الشعب وفق "الدولة عملت انتخابات وأنتم طلعتم فيها، لكن الدولة قررت إفسادها"، أوكي، هذا الإفساد من جانب واحد له شروط، وليس أقلها شروط الطلاق حيث "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا"، لأن الدولة لم تعط أحدا منهم حتى ما يفيد سراحه من العقد لكي يعيش، أسوة بالمعاملة الإنسانية للحيوانات كما جاء في الحديث المتفق عليه: "عُذِّبت امرأة في هِرَّة سَجَنَتْها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سَقتها، إذ حبستها، ولا هي تَركتْها تأكل مِن خَشَاشِ الأرض"، وهذا ليس من كلام الإسلام السياسي كما قد يتسارع إلى ذهنك، بل القيم الإنسانية الكبرى المتفق عليها، لأن الكثير من نواب الشعب المجمدين لم يقدروا على العودة إلى أعمالهم الأصلية لكي يأكلوا حتى من خشاش الأرض، من ثبتت عليه جريمة، يتحملها وحده في المسؤولية الجزائية والشخصية، وهذا أيضا ليس من الإسلام السياسي.
ومن أول علامات التحضر احترام أحكام القضاء والنظر في حيثيات الحكم، لكن الإذاعة لم تسعفنا بغير جملة يتيمة عن الحيثيات: "عدم احترام الطعون لصيغ الطعن في الأوامر الترتيبية والتي تقتضي حسب الفصل 35 من قانون المحكمة الادارية، تقديم مطلب مسبق وجوبي ، بالإضافة إلى وجوب تقديم الطعن بواسطة محامي لدى التعقيب"، وهي أشياء شكلية لا علاقة لها بأصل الدعوى ولا موضوعها، لا تتوافق مع واقع خرق الدولة لواجباتها في تسيير القانون العام أو الخاص بحرمان جماعي للسادة الذين أصبحوا نواب الشعب بقوانين دستورية وانتخابات مشهود بنزاهتها من الحق الإنساني في العلاج اليومي المضمون حتى للمهاجرين والمنحرفين في السجون وأسرى الحروب، كما حق العمل فما بالك بحق العودة إلى العمل، لقد خسر السادة النواب الدعوى شكليا، وهو ما يمكنهم من إعادتها بصيغة أخرى،
حسنا، نحن في وضع غير مسبوق من ترذيل الحياة السياسية ومؤسسات الحكم الديموقراطي كما تعارفت عليها البشرية منذ قرابة مائتي عام، والحرب الآن على أشدها بين السلطة القضائية منفردة وحيدة ومستهدفة بالترذيل من جهة وبقية السلط مجمعة حيث تعرفون من جهة أخرى، وأرى أننا نذهب إلى وضع غير مسبوق كان يمكن تقبله في سنوات الستين باسم أوهام الأحلام الديكتاتوريات الكبرى في إعادة اختراع العجلة والماسء الساخن والمعارك الكونية بين أحلاف الشرق والغرب، إنما اليوم، بإمكان أي تقاز هاو أن يتوقع اصطدام هذا التيار الجارف بالجدار الضخم للواقع في أشهر وليس في سنوات، إني أحرص على معرفة حيثيات الحكم لأني مازلت أعتقد أننا بين خيارين: إما أن نحتكم إلى القضاء العادل الناجز وإما أن نذهب إلى وضع يتساءل فيه أبناؤنا في موزعين شتاتا في المهجر: "كيف وصلنا إلى ذلك الوضع الدموي السخيف؟"،