آخر سؤال مهم في صناعة الصحافة طرحته على مسؤول عمومي في برنامج اقتصادي في إذاعة تونس الثقافية: "أيهما أسهل وأقل كلفة: أن تصنع شلاكة في تونس أو أن تستوردها من تركيا؟"، سيأتيكم الجواب،
لقد بدأت طرح هذا السؤال منذ عام 1992 بمناسبة بدء اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة ثم اتفاقيات الاتحاد الأوروبي والاتفاقيات الثنائية، وخصوصا بدء موجة الانفتاح الاقتصادي وتحول الاستثمار التونسي من المناولة الصناعية البسيطة اعتمادا على اليد العاملة الرخيصة والامتيازات الجبائية إلى اقتصاد السمسرة وفتح خطوط التوريد مع الصين وتركيا وتفشي الخزعبلات التجارية حتى وصلنا في الوقت الحالي إلى استيراد ساشيات الزبالة من البلاستيك المرسكل من فرنسا (والله عندي الدليل المادي)، فما بالك بصناعة شلاكة محليا، آخر علاقة لي بالموضوع منذ بضعة أيام: أحدهم ناولني مريولا وقال لي بقداش حسب رايك؟ قلت رايت مثيلا له في متجر في العاصمة بـ 45 دينارا، قال لي: من تركيا بعشرين دينار،
أنت تحتار بالمبادئ الاقتصادية الدنيا: لو كانت صناعة الشلاكة محليا حيث عندك سوق يـ 24 مليون قدم أقل كلفة وتعقيدا لما تم استيرادها من الخارج، أصلا: سيكون من صالح صانعها التركي أو الصيني أن يقيم لها مصنعا محليا في تونس تقليصا للكلفة، لكن الحقيقة أن توريدها جاهزة ما يزال أقل كلفة وتعقيدا وخصوصا أقل مخاطرة في اقتصاد ليست له هوية ولا أفق واضح.
آكه العام، عندما كان ناجي جلول وزيرا للتربية أطلق تصريحا حول تزويد تلاميذ المدارس بالألواح الاكترونية tablettes التي تكون مزودة ببرمجيات تعليمية وهي فكرة ضرورية لرقمنة التعليم تدريجيا و"اللحاق بركب الأمم المتحضرة"، جلست مع صديقين اشتغلت معهما سابقا في تركيب الوحدات المركزية للحاسوب العائلي إن تذكرتموه، عملنا مخطط بزنس يكون في المنطقة الصناعية المهجورة حول مطار النفيضة لتركيب وصناعة محلية لهذه الألواح مع قسم مخصص للسوفت أي نظام التشغيل والبرمجيات وفق كراس شروط وزارة التربية ودرسنا قدرات الشركات التونسية على إنتاج البرمجيات والمطابقة التقنية،
نحن عندنا تجربة في تركيب الحواسيب وكنا وقتها على وشك تطويرها إلى الانتاج المحلي بنسبة 30 بالمئة من الحاسوب العائلي الذي كان عملية تحيل في شكلها العام مقابل 999 دينارا، المهم: حسبنا نصيبنا من مشروع ناجي جلول واكتشفنا أن بإمكاننا تحقيق اندماج تقني بنسبة 70 بالمئة في العام الأول يصنع محليا إزاء سوق تعد أكثر من 3 ملايين تلميذ دون اعتبار قطع الغيار وإمكانية أن يكون هذا المشروع نواة لمشروع أكبر لصنع مكونات الهواتف والحواسيب وكاميرا المراقبة، وبدأنا نحلم بمشروع يتكلف 20 مليون دينار (كلفة ثلاثة مقاه في البحيرة) ويمكن أن يشغل أكثر من ألف تقني تونسي في عامه الأول وأكثر من مئة محل للبيع وخدماته قبل أن ينفتح على السوق الليبية وغيرها، "نحن هكاكة" وجماعة حول سي ناجي جلول يعلنون أنه سيتم توريد التابلات من الصين وظهرت حنوشة السمسرة والتوريد وكل واحد يدعي أنه سوف يستوردها بكلفة أقل من الشلاكة نفسها، الحاصل: في هذا الوطن ما يدوم كان وجه ربي، لا صحت التابلات ولا صحت فكرة رقمنة التعليم، وبقينا نسخر من أنفسنا في هذا الوطن الكئيب،
حسنا: جواب ضيفي الكريم كان ديبلوماسيا كما يليق بموظف عمومي عريق نشأ على واجب التحفظ: "أدخلني من هنا وأخرجني من هناك"، صحيح أن القوانين والإدارة بحاجة إلى التطوير لكن كما ترى نحن نعمل ليلا نهارا على تحسينها"،
لكن الجواب على سؤال الشلاكة التي لا نصنعها، بل نوردها من الخارج موجود في قانون المالية الجديد، وفي قانون المالية الذي يليه، وثمرته الشرعية الأولى هي هروب المستثمرين وأي شخص يفكر في صناعة شلاكة أو حاسوب من هذا الوطن نحن حلول أكثر سهولة وأقل خطرا،