كلما حاولت أن أشارك بكتابة شيء عن الشاب الموقوف غسان بن خليفة، سبقتني الكلمات شديدة المرارة لأغنية حزينة للفنان الخالد الشيخ إمام "أنا رحت القلعة وشفت ياسين، حواليه العسكر والزنازين"، فعلا، لقد عرفني به زميل قديم في النصف الأول من الألفية ونحن نغني تلك الأغنية الحزينة عن قمع الشباب في العالم العربي في واحدة من المتاهات المسائية الحالمة في العاصمة البائسة،
كان يوزع مع عدد من أصدقائه وقتها جريدة الموقف التي تكاد تكون سرية وقد كتب فيها بعض المقالات، ترك لي انطباعا عابرا بأنه نقي وصادق، لكن تنقصه الفكاهة، لقد نال نصيبه من المضايقة والعنف والسرية مثل الكثير من "شباب الجامعة الزين" من كل الاتجاهات، نوارة البلد وقتها يا دين الضب، والذين يفترض، أيا كانت الخلافات السياسية، أن يصبحوا قادة ومسؤولين فإذا هم فرائس للمخابرات والمصالح المختصة، ثم رأيته من بعيد يتقدم أصدقاءه في أحداث ثورة 2010/2011، ولم أشك لحظة أنه سوف يكون في مقدمة جيل جديد يحكم البلد،
منذ أن أعلن رفاقه عن إيقافه، بدا لي ذلك مرحلة أخرى من العودة إلى مناخات الخوف في بداية الألفية مثل كل الإجراءات الأمنية التي تم اتخاذها أحيانا مع ندوات صحفية حاشدة عن محاولات انقلاب وفساد وملفات خطيرة لتبرير مداهمات مفاجئة للبيوت من فريق أمن مدني ضخم دون بيان إذن من النيابة العمومية،
لا علاش لا كيفاش، لا حضور للدفاع كما ينص عليه القانون ولا أية حقوق، هل استدعوه ورفض؟ لا، هل يمثل خطرا على الدولة حتى تداهمه قو أمنية جبارة؟ لا، قالك هزوه جماعة مقاومة الإجرام؟ لا، قالك عند جماغة مقاومة الإرهاب، ربي ما يعرفوشه، "غسان موقوف من أجل الإرهاب؟ هذا جنون !" لا مش صحيح، عند جماعة القرجاني، قالك منعوا المحامين من مقابلته،
هل علينا أن نعيد أكثر من نصف قرن من أغاني الحزن والمقاومة والانتظار أمام مقرات التحقيق والسجون؟ أنا لا أكتب عن غسان بصفته الشخصية، بل عن كل الذين تلاحقهم أجهزة الدولة منذ 25 جويلية، ثم تطلق سراحهم بعد أيام أو أسابيع من الإيقاف، أي قاض يسمح لأجهزة الدولة بمداهمة بيوت الناس في أية ساعة من الليل لاحتجازه أياما أو أسابيع ثم إطلاق سراحه،
بلد يسخر أجهزته الأمنية الجبارة لأكل أبنائه يا دين الضب، تقول قفلة أغنية أنا رحت القلعة: "اسمعي يا بلدنا خلاصة القول، وباقولك أهه وأنا قد القول، مش ممكن كدة حيحول الحول، على كده والناس يفضلوا ساكتين، خليكوا شاهدين، خليكوا فاكرين…"،
هل يعتبر نشر هذا المقطع تحريضا ضد دولة السيد الرئيس؟ هل يداهمون بيتي في الليل باسم المحكمة العسكرية؟
ملاحظة خاصة لأصدقائي القوميين خصوصا من أنصار السيد الرئيس، لا داعي للمزايدة: هذه الأغاني ألفها أحمد فؤاد نجم ولحنها الشيخ إمام تحت حكم جمال عبد الناصر بعد هزيمة 1967 وإحالة العشرات من الطلبة إلى سجن القلعة حيث كان أحمد فؤاد نجم وعيسى إمام مسجونين من أجل أغانيهما الناقدة للقمع الحكومي،
اتجمعوا العشاق في سجن القلعة …
قصة أخرى،