قرأت هنا مقالا لباحثين في أوروبا أحدهما تونسي الأصل حول الاحتمالات الأربعة لمآل الأزمة الحادة التي نحن فيها: 1: الحوار، 2: قبول السيد الرئيس بالتوقف عن حملة الإيقاف في قضايا التآمر وإطلاق سراح الموقوفين، 3: الاستمرار في هذا الوضع بسبب تشرذم المعارضة وفشلها في حشد الناس 4:انقلاب الجيش، وهو احتمال غير قائم بالنسبة لهم ولا أدري كيف يتحدث باحث أصلا عن هذا الاحتمال،
الجماعة هناك "من خبرائهم في شؤوننا" لا يعرفون أن السيد الرئيس ومن حوله، الذين لا نعرف عنهم شيئا، عندهم تعريف آخر للأزمة، بسيط جدا: صراع أخيار مع الرئيس وأشرار ضده وضد الشعب، أو بكل بساطة: ليس هناك أية أزمة سوى مؤامرات الخونة والعملاء والمخمورين والمحتكرين، وهي "شنشنة أعرفها من أخزم" (فسر لهم نور الدين يا صاحبي). الباقي: البلد تسير مثل الزيت فوق الماء، يكفيها فقط القضاء على الخونة دون تقديم تعريف قانوني للخيانة وما إذا كانت معارضة السيد الرئيس مثلا خيانة. هنا: عدم الإقرار بوجود مشكلة هي مأساة أصلية، كونه لا يملك حلولا، مأساة أخرى،
وأنا أستطيع أن أكتب عن عشرة احتمالات لما نحن فيه، تسعة منها "ڤر ڤر ڤر" والعاشر هو أننا سنذهب في ما نحن فيه إلى آخره وآخرنا وأكثره إيلاما، المفتوح على كل الاحتمالات السيئة، لأن الجماعة الذين هناك لا يتركون لك انطباعا بأنهم معنيون بالبحث عن حلول حقا بقدر ما يبحثون عن الولاء والطاعة في إطار شعار مخادع "الشعب يريد"، لا أحد من المختصين يجد فرصة لكي يسأل: من هو الشعب؟ وماذا يريد أصلا؟
ورغم أنه من السهل، خطابيا، أن نتفق على إن الشعب يريد: مثلا قضاء مستقلا عادلا ومدرسة جيدة لأبنائه وخدمات صحية محترمة وأمنا يحترم القانون بدءا بنفسه بدل أن يخترع لنا تعليمات، لكن هذه شعارات يمكن لأي تلميذ أن يكتبها في حلمه بالغد، لكن هل يحمل وزراء السيد الرئيس حلولا لما نحن فيه؟ هل فيهم من يقدر، تحت دولة الولاء للسيد الرئيس مطلق الصلاحيات، على إقرار إصلاح موجع وعميق في مجاله لعقلية الدولة الأمنية الريعية الإدارية البيروقراطية منذ أكثر من ستين عاما؟ أم سيكون مشغولا بالتقارير السرية حول مدى ولائه وحشد الناس للولاء لمن يملك حق تعيينه وإقالته وإرساله إلى أحد أقطاب القضاء تحت شعار "كان ما عمل شيء، توه يروح"، هل تعتقد أن ثمة كفاءة تقبل بهذا الوضع؟ أنا لا أعتقد.
واقعيا: أي إصلاح في مجال الفلاحة أو التعليم أو الصحة أو النقل مثلا، يحتاج أولا سلما اجتماعية وتوافقا مدنيا لتقبل خطط موجعة أقلها على ثلاث سنوات، ستظهر النتائج بعد خمس سنوات، لكن، من هو الخبير الكفء المصلح الذي يقبل بالمغامرة في بيئة كتابة التقارير حول الولاء والشعب يريد والخطابات التي تختزل أزمتنا في الخونة والعملاء والمحتكرين،