عندي قناعة سوداوية أن السيد رئيسنا لا يقرأ ولا يسمع ولا يشاهد ما يقال عنه، ولا يهتم أصلا بنا، ولذلك فإن المقارنة لا تجوز مثلا مع رئيس الوزراء البريطاني تشرشل الذي طلب من سائق سيارة أجرة لم يتعرف عليه، أن ينتظره 40 دقيقة أمام مبنى إذاعة بي بي سي لإعادته إلى بيته، اعتذر السائق: "عليّ أن أعود لأستمع إلى خطاب رئيس الوزراء"، فابتهج تشرشل بالاهتمام بخطابه ودفع له ثروة عشرة جنيهات، قال السائق: "أمرك سيدي، سأنتظرك هنا لأربعة ساعات حتى تعود وليذهب تشرشل وخطابه إلى الجحيم"،
وأنا تأكدت بطريقة مهنية أن كل ما يحيط بالسيد الرئيس في قهاويه وخرجاته في تونس وخارجها يخضع لفرز الذباب الأزرق عن الأسود وبقية الألوان، mise en scène تتقنها المصالح المعنية بالأمر منذ زمن وليس فيها مجال للخروج عن النص، وهذا ليس جديدا ففي زمن الزعيم بورقيبة كانوا يحفرون آبارا جافة ويملئونها بالماء لكي يدشنها، ورأينا بأعيننا أنصار الحزب الدستوري يزرعون الورد والنوار في المزابل قبل زياراته الفجئية لكنهم كانوا يسمحون لنا بنهبها بعد ذهابه،
الفارق الوحيد، أن بورقيبة كان يملك طرقا سرية لمعرفة كل شيء، لكنه في المقابل كان يتظاهر، كلما انفضح، بأنه لم يكن يعلم، وأنا لا أعتقد أن السيد الرئيس يعلم أصلا بما يقال عنه، ليس لنقص في الإمكانيات، فهو يستطيع مثل أي مراهق تونسي أن ينشئ حساب فايسبوك وهميا ويقرأ ما يكتب الشعب عنه، بل لأنه لا يطيق ذلك،
وأنا لا ألومه لأجل هذا، بل لأنه لم يتخذ مستشارين مختصين ينقلون له ما يقال عنه وينصحونه بما يجب أن يفعله أو يقوله، ولو فعل ذلك لما تورط تقبيل رئيس فرنسا ثانية بعد كل ما قيل عن قبلة الاستعمار الأولى، ولو كان "بدويا مثلي ذي مزاج معقد" لوقف غاضبا وأوقف ترتيبات الزيارة الرسمية لما أمره ماكرون بفعل لا يقال لرئيس: "تعال"، (دون ياء) viens، إذ في الأصل يقال لمن لا تعرفه s’il vous plait, est-ce que vous pouvez venir avec moi ?، أما إذا كان رئيسا، فالحد الأدنى أن تستدير إليه وتقف مستقيما ثم تنظر تجاهه باحترام، تعطيه الوقت ثم تقول له: Monsieur le Président, s’il vous plait, est ce que vous pouvez venir avec moi ?
توه نحن وهو تورطنا في بعضنا، سواء يهتم بما نقول عنه أم لا، إلا أن السخرية هي الحل الوحيد في مثل هذا الوضع، فقد اخترع المصريون نكتا مذهلة عن الزعيم جمال عبد الناصر منها أنه تسلل إلى الضريح الوهمي للحسين في جامعه حيث يرمي المصريون منذ مئات السنين شكاوى مكتوبة إلى حفيد الرسول، وقرأ رسالة من فلاح مصري يطلب من الحسين مائتي جنيه لتجهيز ابنته للزواج فقرر منحه 100 جنيه على عنوانه وهي ثروة وقتها، وبعد أسبوع وجدت المخابرات رسالة في ضريح الحسين من الفلاح فيها: "شكرا سيدي الحسين، لقد وصلتني 100 جنيه فقط، لأن جماعة عبد الناصر لهفوا المائة الأخرى"، والله أعلم، سيدي الرئيس.
الشيء الوحيد الإيجابي هو أن السيد الرئيس لن يقرأ مثل هذه السخرية ولا غيرها، الخطر هو أن يقرأها الآخرون الذين لا يتحملون فيه حتى مجرد الفدلكة، خوفي؟