الخبر: "حجز حوالي 600 ألف دينار نقدا في مقر النقابة الوطنية للأمن الداخلي"، هنا، هات ندخل في المعالجة الصحفية من أجل "إعطاء معنى للخبر" بفرضية أن ما جاء في الخبر صحيح لكن مع تذكر مقدمات المواجهة بين وزارة الداخلية وممثلي هذه النقابة (نحن لا علاقة لنا بهذا الموضوع من صراعهم) وإمكانية أن تكون العملية مجرد "جرائم صغيرة بين الأصدقاء" تم التفطن إليها مؤخرا صدفة في تنفيذ حكم مدني،
أنت تحتاج أن تعرف أن امتلاك مبلغ 600 ألف دينار نقدا مخالف للقانون، مكان هذه الفلوس الطائلة في هذا الزمن الصعب هو البنك مع بيان مصادرها، نظريا: أنت لما تقدم خمسة آلاف نقدا إلى البنك يسألونك من أين أتيت بها وربما يعلمون عليك الشرطة لاحتمال أن تكون متأتية من تبييض أموال مثلا فما بالك بهذا المبلغ الذي لا يمكن أن نصدق أبدا أنه متأت فقط من انخراطات نقدية من أعوان الأمن في ظل الاقتطاع الشهري،
الخطير في محاولة إعطاء المعنى للخبر هو أن "الحاكم" لم يكتشف هذا المبلغ إثر عمليات بحث وتحرّ قانونية، بل بسبب عملية عادية لإخلاء مقر بسبب عدم دفع معلوم الكراء الشهري، الخطير أن جماعة النقابة رغم خبرتهم الطويلة لم يتوقعوا ذلك وتركوا مثل ذلك المبلغ النقدي الضخم الذي لا يمكن العثور عليه إلا عند الكناطرية في مقرهم، ولولا أن صاحب العقار طلب مساعدة الشرطة لإخلاء محله لما تفطن أحد إليه،
وقتها تصبح كل الفرضيات مباحة حول مصدر هذا الكنز الصغير: لماذا لم يفطن أعوان الدولة إلى هذا المبلغ النقدي الضخم الذي من الصعب تبرير مصدره لولا قضية عادية لإخلاء محل؟ هل لمثل هذا المبلغ علاقة بالتداخل بين صلاحيات أعوان الأمن وشبكات الفساد المالي والتهريب والتهرب الضريبي؟ هل تحظى نقابات الأمن أو قادتها بحصانة ضد البحث والتحريات الأمنية إلى درجة الاطمئنان إلى ترك مثل هذه الثروة في مكتبها على بعد أمتار قليلة من مكتب وزير الداخلية وكبار ضباطه؟ من أين جاء هذه المبلغ الضخم وإلى أين سيذهب؟ هل خضعت نقابات الأمن إلى المحاسبة المالية الدورية كما ينص عليه القانون؟
حسنا، كل هذه الأسئلة والفرضيات لا يمكن أن تجد طريقها إلى الإعلام التونسي بما فيه العمومي، بقي في ذهني حديث عن وثائقي في القناة الوطنية الثانية عن حيوان البطريق الذي يمكنه أن يقضي أشهرا دون أكل، الجماعة أصحابي قالوا: "هاو بدا التحرش بنا، اش يقصدوا بهذا الوثائقي؟"،