نحن عندنا من يبرر الإجراء "S17" بل ويفتخر به من حيث المبدأ، وهذا مثير للاشمئزاز والقرف، وأنا أكتب هذا بمرارة ومعرفة لأني كثيرا ما كنت ضحية هذه المؤسسة المرعبة التي يقال لك فيها بسخرية وشماتة: "كان ما عملت شيء، ما عندك من اش تخاف"، وهو كلام عبثي ماكر قيل لي من 2008 إلى 2010 وأنا صحفي لم تنفع شبكة علاقاتي في شيء تجاه الـ S17 وغموض السلطة في الكثير من المطارات التونسية والمعابر الحدودية حيث يجبروني على الانتظار أحيانا لأربع ساعات حتى يعثروا على "الحاج" سواء كنت مغادرا للبلاد أو قادما إليها،
ويذكر صديقي Lassaad Ibrahim Arfaoui الذي رافقني في رحلة طريفة إلى الجزائر في 2009 كيف "تعذب في جرتي" لما عدنا عبر معبر بابوش في عين دراهم، قالوا له: "أنت خاطي، بره على روحك، هو لا"، أعلنت اعتصاما مع إضراب جوع وحشي، الأسعد رشق ساقيه في الأرض وقال ساقي من ساقه، ثلاث ساعات من الانتظار والعراك والدفع قبل أن يسمحوا لي بالعودة إلى "الوطن" الكئيب. بالمناسبة: وقوعي ضحية هذا الإجراء، كان بسبب حوار صحفي في جريدة الشروق مع قنصل الجزائر بمدينة الكاف في 2008، لم تغفره لي وزارة الداخلية مع وشايات محلية حقيرة أخرى.
عندنا من يبرر الإجراء التعيس لأن الطيور التي ولدت في القفص، تعتبر الطيران جريمة، وتعتبر المنع وحتى سجن الناس على الشبهة من باب الاحتياط شيئا طبيعيا، فنحن لم نشف بعد من دولة كانت وزارة داخليتها تعتبر نفسها فوق الدستور وكل القوانين والاتفاقيات الدولية وتدير مقرات سرية غير رسمية وفيرمات غامضة للاعتقال والتعذيب والابتزاز، وزارة لا تقبل المساءلة فما بالك بالمحاسبة وهي تعاني من "انتقال موجع" من دولة البوليسية والتعليمات ومفاهيم "أمن الدولة" إلى دولة الحقوق والمؤسسات، لكن النتيجة أننا أكثر الدول هشاشة وعرضة للاختراق وبيع الذمم وعجزا عن استباق الجريمة أو السيطرة عليها،
لا تحتاج الدولة الأمريكية إلى بطاقة تعريف قومية رغم أنها قوة عظمى تصنع حروب الشر والأعداء، مثل بريطانيا التي تتميز بنقاش قانوني ممتع عندما حاولت مارغريت تاتشر فرض بطاقة تعريف قوية قومية فرفضها مجلس اللوردات لأن فيها انتهاكا للحقوق الأساسية وخصوصا المهاجرين واللاجئين بالإضافة إلى الثغرة التي تفتحها هذه الوثيقة لتمدد سلطة الأمن في الحياة الخاصة، وهذا ليس غريبا على الثقافة البريطانية التي أنتجت منذ 1949 تلك الرواية المرعبة للكاتب جورج أورويل عن الدولة المتسلطة "1984" والتي يتوقع فيها تحول الدولة إلى جهاز قمع ومراقبة للتفكير يجبر الأبناء على الوشاية بأمهاتهم خوفا، لكن نبوءة أورويل بالدولة المهووسة بالتلصص على مواطنيها لم تحدث في بريطانيا، بل في العالم العربي ومنه تونس، التي كان يملك فيها عون الأمن حق سؤالك: "وين كنت، وين ماشي، شكون إلي معك، هات بطاقة التعريف وأخلط للمركز"،
ولكي نكون واضحين، فإن شعب بريطانيا هو أكثر شعوب الأرض تقبلا للمراقبة الأمنية وبلدهم يملك أكبر عدد كاميرا مراقبة مقارنة بعدد السكان تماما مثل الأمريكيين الذين هم أكثر شعوب الأرض تعاونا مع الأمن وتبليغا عن الجريمة من باب الوطنية.
في 2021 وبعد كل ما صار في 2011، مازال عندنا من يعتبر الإجراء الكئيب S17 شيئا طبيعيا، الأكثر خبثا ومرضا بدولة جورج أورويل العربية سيراوغون بالتركيز على العمل الاستعراضي السخيف الذي حدث في المطار للتعمية عن حقيقة استمرار دولة انتهاك حقوق الإنسان الأساسية وخصوصا تلك العلاقة المزيفة بين أمن الدولة والتعسف الأمني على حقوق الناس.