ثمة "جريمة صغيرونة بين الأصدقاء" لا نتحدث عنها أبدا لكي لا نحرج "المارد" الذي يختزل كل السلط في برّ تونس، وهي رشوة رسمية معلنة لأعوان النظام العام لكي يقوموا بعملهم الذي يخلصون لأجله من الضرائب، أي عمي الراجل، أنت قد سمعت مؤخرا أنهم لا يؤمنون المهرجانات والأنشطة الثقافية إلا إذا قبضوا نقدا وعينا في شكل تذاكر يتم ترويجها أغلب الوقت في السوق السوداء،
أي خويا وفي بعض الأحيان، يرفضون تأمين التظاهرات لأن الثمن الذي عرض عليهم لم يعجبهم، أعرف شخصا أشرف على دورة مهرجان في مدينة صغيرة، تلقى اتصالا من إطار أمني يطلب فيه 3700 دينار لتأمين دورات المهرجان، قال له: لكننا لم نطلب حضورا أمنيا أصلا، هو مهرجان صغير يقوم على عروض صغيرة مدعومة من وزارة الثقافة والناس هنا تعرف بعضها، قال له: "لا خويا، أنت باين فيك جديد ما تعرفش طريقة العمل"،
المصيبة أن طريقة العمل هذه المخالفة للدستور، يعرفها عدول التنفيذ جيدا، يعني لما يحصل مواطن على حكم قضائي بات للتنفيذ، مقدمته جاءت في الدستور "تصدر الأحكام باسم الشّعب وتنفّذ باسم رئيس الجمهوريّة، ويحجّر الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها دون موجب قانوني" من يملك الموجب القانوني لتعطيل التنفيذ؟
الله أعلم، لكن أعوان الأمن يقولون لعدل التنفيذ: "يا حسرة عليك، التنفيذ بثلاثين دينارا للعون، تدفع نقدا مسبقا"، وإذا لم يعجبهم الوضع أو العرض يرفضون حتى إذا جاءهم أمر من وكيل الجمهورية في التنفيذ، فهم يملكون ألف جواب للرفض: ليس لدينا سيارات، رئيس المركز مش لاهي، الأعوان كلهم خرجوا في مهام، وفي النهاية لهم حق التقدير: تنفيذ هذا الحكم سيسبب مشاكل كبيرة لا نقدر عليها، وهو ما يفسر بعض خراب القضاء في تونس حيث أكثر من ثلاثة أرباع الأحكام القضائية لا تنفذ،
القضية ليست هنا، بل بأي حق يطلب أعوان الدولة أجرا إضافيا من الناس أو المؤسسات على عملهم المنصوص عليه في الدستور؟ يعني هل يمكن أن نسمع عن فوضى أو اقتتال بين الجمهور مثلا في مهرجان لأن أعوان الأمن رفضوا تأمينه لأنهم لم يخلصوا مسبقا من المهرجان؟
هل دخلنا عصر خوصصة الأمن: التظاهرة التي عندها فلوس، تحظى بحضور أمني جيد والذي ليس عندها يتركونها للفوضى والإجرام؟ أم نفتح الباب للمنافسة التجارية بين الأمن العمومي والأمن الخاص من يقبل بالسعر الأدنى وفق قانون الصفقات العمومية؟ ألم أقل لكم إنها جريمة "صغيرونة" قد هكة، بين الأصدقاء لا نتحدث عنها تفاديا للإحراج؟
الى تتوقف عن تمميز لحم البقري بالكرشة
رفضنا القانون عدد 25/2015 لزجر الاعتداءات على الامنيين حتى حين تسلقوا جدران مجلس النواب واستباحوا حرمته، النتيجة المباشرة لحل السلطة التشريعية والعبث بها هي انهم اخذوا اكثر مما طلبوه في ذلك القانون الاجرامي، ما كانوا يحلمون ابدا بمنحهم حق نقد العمل الفني ومنع عرضه،
انا ضد اي تضييق على سلطاتهم الجميلة، هذا الامر المشين سيذهب الى نهايته، طالما هم لا يعرفون لحم البقري الا بالكرشة، الى ان تبدأ كل الاعمال الفنية من مسرح وسينما ومسلسلات بانشودة "انا الشرطي انا البطل، انا السباق الى النزال"، بعد ان تحصل على التوافق المستحيل لأكثر من عشر نقابات امنية، وبعد الاطلاع مسبقا على المحتوى والتعريف بالإمضاء في البلدية على عدم الخروج عن النص،
شريط الانباء
تابعت شريط الانباء والبلاد تغلي حول تصرفات نقابات الامن في المهرجانات من تدخل خطير في المحتوى وفي طبع التذاكر والغاء عروض فنية واشتراط مبالغ مالية باسم النقابات، الزملاء في الاخبار اعرفهم واعرف كفاءتهم لكن النبرة والمحتوى من العناوين يذكرنا بنشرات انباء اخر زمن بورقيبة،
انتظرت بلا جدوى الى ان طافوا الى درجة الملل على زوارق البورجوازية الاوروبية في موانىء المستعمرات السابقة وختموها بدلال ابو كرفوص وقد ابدت اعجابها (التاريخي المستهلك) بالجمهور التونسي المعجب السميع؟ هذا البلد يتغير ولم يعد احد يرغب في طرح الاسئلة الحقيقية، سنبحث عن اخباره في تونس نيوز،