الواحد منا يوجعه قلبه على مسار بلاده حين يقرأ خبرا رسميا: "بعد انقطاع 20 عاما، وحرصا منها على فك العزلة عن المنطقة الحدودية ملولة، أعلنت الشركة الوطنية للنقل بين المدن في بلاغ اليوم الاثنين استئناف نشاط خط تونس- طبرقة ملولة الحدودية"، أصلا: من قرر "عزل" طبرقة التي كانت في زمن الاستعمار البغيض مرتبطة بشبكة حديدية قارة "تعدل منقالتك" على ساعة وصول القطار فيها؟
الاستعمار ترك لنا خطين حديديين يربطان طبرقة وغار الدماء بتونس العاصمة من جهة والجزائر من جهة أخرى، يحملان الناس والبضائع وخصوصا حبوب الشمال ومنتوجات المناجم، يفترض أننا بعد 65 عاما من رحيل الاستعمار البغيض قد طورنا تلك الخطوط وأصبحت كهربائية وارتفع معدل السرعة فيها من 50 كم وقتها إلى 80 أو 100 كم الآن بتقدم التكنولوجيا، حيث النقل الحديدي هو الأقل كلفة وخطرا وتلويثا وشغلا للطرقات، وكانت المسافة تونس ماطر طبرقة ستكون في ساعتين بدل ثلاث ساعات ونصف في الحافلة وثلاثة أضعاف الكلفة،
المنطق يقول إن ضمان النقل يضمن خلق الثروة واستقرار الناس هناك، لكن أنا رجل عجوز أدرك الدولة التونسية في السبعينات وهي تخرب قضبان السكك الحديد التي تركتها فرنسا لتنقلها من الشمال الغربي وتحملها إلى أماكن أكثر حظوة. في دشرة نبر من ولاية الكاف مثلا، لم يتركوا لنا من السكة سوى مبنى المحطة التاريخي وبعض الأنفاق في الجبال والتي لو قدروا عليها لاقتلعوها وأخذوها إلى حيث تعرفون، ثم ذهبوا إلى الحلول الأكثر فسادا والأقل استدامة ووثوقية: اللواجات والنقل الريفي والجماعي، حيث يعتبرون رخصة النقل غنيمة حرب تمنحها السلطة احتكارا مقابل الولاء لها، النتيجة: تستطيع أن تقضي الليل في المحطة إذا لم يجتمع العدد الكافي لملء اللواج أو إذا كان للسائق مشاريع أخرى،
للتوضيح: وزير النقل في 2018 أعلن عن إطلاق طلب عروض لإحياء سكة ماطر طبرقة وغامر ر م ع شركة السكك الحديدية بالقول إن المشروع سينجز في النصف الثاني لعام 2019،
للتوضيح أيضا: المسافة بين ماطر وطبرقة من أجمل ما ترى العين في بر تونس المنكوبة، لو أعطوه إلى شركة خاصة لتنظيم رحلات سياحية لاسترجعت مصاريفها في ثلاث أو خمس سنوات، إنما الله غالب، نحن في بلد حظوة رخص اللواج التي بدأت لأنصار بورقيبة ثم للشعب ولجان اليقظة وانتهت لما تعرفون: أنفقنا ثلاثة أضعاف كلفة شبكة حديدية كهربائية فاخرة للواجات والنقل الجماعي والريفي،