سيدي الرئيس،
من حيث الشكل، نحن ضد إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية التي تبقى محاكم استثنائية، أيا كان الموضوع، وخصوصا في قضايا حرية التعبير، إذ على حد علمنا، لم يقم السيد الرئيس بتعطيل أو إلغاء المرسومين 115 و116، وفي أسوأ حالات التنكيل وإنكار صفة حق التعبير عما وقع، يتم اللجوء إلى المجلة الجزائية، أما اللجوء إلى المحكمة العسكرية دفعة واحدة واستعمال فصول تتعلق بـ "الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة" من أجل كلام في قناة تلفزية، فهو أمر مثير للصدمة والرعب، وسخرية شركائنا في هذه العالم الذي يسير حتما، أيا كانت التضحيات، نحو المزيد من الحرية والحقوق، والاتفاق على كونيتهما،
ومن حيث الشكل أيضا:
نحن مع محاسبة صارمة تعيد الرشد إلى بلاتوهات التلفزات والإذاعات، لكننا ضد استعمال القضاء العسكري في "تتبعات القنص الانتقائي" التي لا تستهدف إلا خصوما من نوع معين ممن ينقد الوضع القائم، كل طلبة الحقوق يعرفون أن شرعية أي قانون تبدأ من ركن universalité أي انطباقه على الجميع بنفس الطريقة وفي أي وقت،
أما من حيث الأصل:
فإن استعمال تهمة "تبديل هيئة الدولة" اعتمادا على حوار تلفزي بين سياسي وصحفي، عمل تعسفي مطلق لا علاقة له بالواقع، ليس فقط لاستحالة ذلك واقعيا وماديا، بل لعدم توفر أي ركن من الأركان المادية للجريمة المذكورة، وهو ما يترتب عليه إجرائيا رفض الدعوى العسكرية من حيث الشكل لعدم الاختصاص والقضاء بعدم سماع الدعوى لعدم توفر أركان الجريمة من حيث الموضوع،
وبشكل أحتياطي، أطلب لنفسي العفو مسبقا إن تعذر تفهم هذه الطلبات، بالنظر إلى تعاظم المخاوف على الحقوق العامة والفردية في ظل تعطيل المرسومين 115 و116 واعتماد المحكمة العسكرية بدل المحاكم الأصلية، وأن لا يكون هذا النص مبررا لدعوتي إلى المحكمة العسكرية بدوري، من أجل "تبديل هيئة الدولة"، وأن لا يقفز على شرفة بيتي أحد في الفجر بمجرد تعليمات شفوية من سلطة غامضة غير قابلة للتقدير أو المساءلة، ولكم سديد النظر.
ملاحظة منهجية لمن ينتظر مثل هذه الفرصة لتأكيد اتهامي بأني نهضة ولكن، أو نهضة كاملا متخفيا، أو من جماعة ائتلاف الكرامة أو أي سخافة أخرى: أعرف العزيز عبد اللطيف العلوي القادم من معهد بلطة عندما كنا 35 تلميذا مساجين في "شمبري الصغار" عدد 8 في سجن الكاف وتقاسمت معه الأحزان المدمرة لعام 1986 في سجن الكاف حيث اكتشفت أنه شاعر رقيق متميز، غنينا معا في ليالي الأسى أغاني الشيخ إمام وأشعار محمود درويش عن الأم والغربة، فيما كان بقية المساجين يغنون لليأس والحزن ويقطعون شرايين رقابهم وأذرعتهم في الأعياد الدينية حزنا وكنا نخترع حيلا للبقاء على قيد الأمل، حيث كان القضاء الوطني في محكمة الكاف الرهيبة يقضي بسجن كل تلميذ يقف أمامه، سواء تورط حقا في التظاهر أم لا، بخمس سنوات سجنا ثم شردونا بين سجن برج الرومي (عبد اللطيف العلوي) وأنا في سجن القصرين المركزي وسجون أخرى يضيق عنها الذكر، ولم ألتق العزيز عبد اللطيف العلوي منذ ذلك الزمن البائس سوى ثلاث مرات على عجل، أهديته كتابي "أحباب الله" التي ذكرته هو وأصحابه فيه، وأهداني ديوانه "خيبات طفل عظيم"، وليس لدي شك في أنه شخص وطني نزيه، رأى من العذاب في هذا الوطن ما يزيد عن الطاقة لكي يحبه ويحب أهله، وهو يستحق مني أكثر من هذا النص الذي، من حيث الأصل، يستنكر إحالته هو والصحفي عامر عياد إلى المحكمة العسكرية، ويعتبر ذلك خيبة صادمة موجعة في الروح، لك يا رب، تكتب مثل هذه النصوص،