كثيرا ما أقرأ هنا مقالات بعنوان: "هل الشعوب العربية جديرة حقّا بالديمقراطية؟"، ثمة أجوبة سطحية سريعة: نحن لا نستحق سوى الزلاط والديكتاتورية والقمع، حسنا، ماذا لو قلبنا السؤال ودعونا عددا من أكثر مواطني سويسرا والنرويج وعيا إلى تونس مثلا؟
قديما، كنت أجيب بأمثلة من عام 2001 في باريس مثلا حيث عشت مع أغلبية مطلقة من عرب مهاجرين في قمة التحضر والاندماج والجيرة والعمل بمعناه الإنساني وليس ضرورة تبني كل قيم المجتمعات التي يعيشون فيها، تطبيق القانون بعدالة وصرامة يعيد الجميع إلى أحجامهم وينهي الطمع في الإفلات من المحاسبة،
ثم عرفت بعد ذلك مواطنين فرنسيين وسويسريين وسويديين عاشوا في تونس أو في بلدان عربية أخرى مماثلة، بمعدل ثلاث سنوات يتحولون تماما: يتحدثون بصوت عال مزعج في المقهى، يقودون سياراتهم بطريقة متهورة ويخترقون الضوء الأحمر مثل الجميع، يرمون سلال القمامة حيث ما اتفق، يبحثون عن صديق أو شخص يأخذ رشوة لدفع ملف إداري أو وثيقة حكومية، يجدون صعوبة في الانضباط حين يعودون إلى بلدانهم،
إذن ما الذي يصنع الفارق بين مواطن عربي وآخر سويسري في الحياة الحضرية؟
الجواب: الدولة، السلطة، الإدارة هي توفر لك شروط احترام القانون؟ هل تطبقه على الجميع بنفس الطريقة؟ أصلا: هل القوانين للجميع متساوين أم ثمة قوانين للفقراء وأخرى للأغنياء ولمن هم في السلطة؟ هل ثمة طريقة لتجاوز القانون؟ أنت لما تخرج بسلة الفضلات صباحا من بيتك فتجد أكداس الفضلات في الشارع لم ترفع منذ أيام، فأي معنى للسلوك الحضاري وقتها؟ كلها معركة سلطة، سلطة من على ماذا؟ ماذا يعني السلطة العربية غير ولاء العسكر والشرطة؟