لنتحدث عن حق الإضراب المزيف
غدا يوم غضب في "فسفاط قفصة" نوارة الاقتصاد التونسي منذ 123 عاما، ليس بسبب الإضراب بل بسبب تعطيل الإنتاج الذي يكلف الشركة عدة عشرات من ملايين الدنانير شهريا تقترضها بفوائض فاحشة مقابل صفر إنتاج، لقد سمعت بأسى كيف أن أحد تقنيي الشركة كان "يغامر" بالتسلل إلى أحد مواقع الإنتاج لتفقد الآلات وإنقاذها من التلف لعدم الاستعمال، فهشموا سيارته وهددوه بسكين، هددوا أيضا أطفاله في المدرسة واكتشف أن الدولة نفسها تخلت عنه وتركته فريسة العنف المنظم لهؤلاء، أليس هذا إرهابا؟
من هم؟ خمسة أشخاص رأس مالهم بقايا طاولة وكراسي محطمة وسطل دهن فارغ وحجارة في طريق موقع الإنتاج، لا أحد منهم في مكان "الاعتصام" لأن لهم جميعا مشاغل أخرى وأفاريات أصعب إزاء سهولة قطع الطريق "غيابيا" أمام دولة عاجزة، "فقط حاول أن تحرك تلك الأشياء من الطريق" قال لي محدثي،
هذا يتكرر في العشرات من مواقع الإنتاج حيث الدولة تعرفهم واحدا واحدا، وتعرف نواياهم لكن أعوانها يتلقون تعليمات متضاربة تنتهي بإرباكهم، "نريد تطبيق القانون لكن الموقف غير واضح صاحبي" قال لي مسؤول في الأمن، شيء من المصالح الضيقة وشيء من جبن المسؤولين حتى تجاوزنا فكرة شراء السلم الاجتماعية إلى رشوة الإجرام الاجتماعي المنظم مقابل البقاء في السلطة،
الآن علينا أن نعيد اختراع مفاهيم الحقوق، آن الأوان لكي نتحدث بشجاعة عما يسمى في القانون "التعسف في استعمال الحق"، والذي جعل "عشرة من الناس" وخمس عجلات قديمة وشوية حجارة كافية لإغلاق مدخل مدينة وعودة سيارة إسعاف من نصف الطريق، شيء يشبه الإجرام المنظم التي تنفذه بعض العصابات المحلية في أمريكا اللاتينية على القرويين، نحن المجتمع الوحيد الذي يغلق مرفقا عموميا خطيرا دون علم مسبق أو ضمان الحد الأدنى من الخدمة، نحن المجتمع الوحيد الذي يمنع غير المضرب من العمل في عملية "إشعال النار في الوطن" إجبارية، دون أي غرور، لقد أطلقت صرخة في 2012: "احذروا: إنهم يدفعوننا إلى الخلط بين الإطاحة بالنظام والإطاحة بالدولة"،
خويا: الإضراب حق دستوري، لكن على الدولة أن تحمي بالقوة العامة إن لزم الأمر الحق المادي والمعنوي لمن لا يضرب والمضربون أولى بحماية حق من يختلف معهم، وأن تفرض "الخدمة الدنيا" في كل مرفق عمومي وتمنع أي إضراب غير قانوني ومنه عدم الإعلام المسبق وضمان الخدمة الدنيا وقطع الراتب أليا عن أيام الإضراب، خصوصا العودة إلى اعتبار أية محاولة لإغلاق طريق أو منع خدمة، أيا كانت أسبابها، جريمة حق عام تتعلق بالأمن القومي، ولم لا، تنقيح قانون الإٍرهاب لاعتبارها جريمة إرهابية، ذلك أن ضررها أكثر بكثير من ضرر الإرهاب.