من السهل أن نستبشر في تونس بانهيار أسعار النفط أملا في انخفاض كلفة الدعم في الميزانية (1880 مليون دينار) التي بنيت على فرضية 65 دولارا بعد أن أصبح السعر اليوم 26 دولارا، لكن المسألة ليست بهذه البساطة في قطاع يعاني من وضع صعب يتطلب حلولا هيكلية عميقة.
ثمة ثلاثة نقاط مبدئية في هذه المسألة، أولا هذه أسعار عقود آجلة لثلاثة أشهر قادمة وعليه فإن علينا أن ننتظر فوائدها بعد أشهر وأن نبحث قدرتنا على تخزين النفط الخام وتكريره، وثانيا، أن الانخفاض لا يرى إلا في إطار سعر مرجعي لثلاثة أشهر، كان السعر 60 دولارا أول جانفي الماضي وثالثا، أننا نستورد جزءا مهما من المحروقات المكررة بأسعار كلفة تكريرها في دول أخرى.
وعليه فإن هذا الانهيار المؤقت العائد إلى المخاوف من انكماش الطلب العالمي قد ينتهي مع إقرار البرنامج الأمريكي لتحفيز الاقتصاد والذي أصبح جاهزا بمبلغ 2 تريليون دولار، إنما المشكل ليس هنا.
كان يفترض أن تكون الشركة التونسية لصناعات التكرير "رأس حربة" ناجحا في قطاع الطاقة، بما أنها هي المكلفة بشراء النفط ومشتقاته وتكرير ما أمكن في تونس، لكن هذه الشركة التي كانت خيارا أساسيا للأمن الطاقي في الدولة الوطنية تعاني من تراكم الديون والعجز عن تحديث معداتها وحتى من تأمين شراءاتها بسبب تراكم ديونها لدى الشركة التونسية للأنشطة البترولية ولدى المزودين في الخارج،
والتساؤل عن سبب هذا الوضع يحيل إلى أزمة ديون الشركات العمومية، وأولها الشركة الوطنية لتوزيع البترول التي لم تحصل على مستحقاتها المالية من شركات النقل العمومي والكثير من المؤسسات العمومية الأخرى لأن الدولة تجد صعوبات في دعم هذه المؤسسات العمومية، يضاف إلى ذلك أن الشركة تتحمل وحدها فارق كلفة المحروقات عن ثمنها في السوق والذي بلغ 800 مليون دينار في 2019 مثلا،
وهكذا فإن وضع الطاقة ينكشف عن هرم ضخم من ديون المؤسسات العمومية يؤثر في النهاية على الشركة التونسية لصناعات التكرير التي يحرمها وضعها المالي من رفع قدرتها على خزن النفط الخام وحتى على قدرتها على الاستفادة من انخفاض الأسعار عالميا، إذ لا قوة شرائية لشركة تعاني من أكثر من مليار دينار من الديون.
عمليا، لا تحتاج الشركة التونسية لصناعات التكرير مساعدات مالية، بل أن تبدأ الدولة عملية تطهير لديون مؤسساتها والوفاء بوعود الدعم على الوقود صعودا نحو الأعلى حتى تستخلص الشركة مستحقاتها وتدفع ديونها وتمر إلى مرحلة تطوير طريقة العمل وتحقيق الاستفادة من انخفاضات السوق، ثم المرور إلى ما أصبح اليوم ضروريا وهو إحداث محطة تكرير جديدة عصرية تعمل على تأمين أكثر ما أمكن من حاجة السوق من المحروقات المكررة.
إن انخفاض سعر النفط، حتى إن كان مؤقتا، سيحقق للدولة فوائد مهمة في أموال الدعم، كما سيؤدي الحجر الصحي إلى انخفاض استهلاك المحروقات ومعه كلفة الدعم عليها، لكنها فرصة أيضا لمراجعة وضع الطاقة في هذا الهرم الضخم من الديون العمومية.