أنظر إلى تمثال حاكم سوريا يضرب للمرة الثالثة بالأحذية في السويداء وأفكر في شيئين: الأول كثير من التونسيين يعتبرون حافظ الأسد وأبناءه وبقية أفراد أسرته وحكمهم الأزلي سرا إلهيا مقدسا لا يجوز نقده فما بالك بضرب تمثاله بالأحذية، كما في صورة صدام حسين زعيما وحاكما مطلقا أبديا في تدمير صورته بدءا بالإطاحة بتمثاله العملاق وصولا إلى إخراجه من حفرة مذهولا بلحية أشهر وهم يخضعونه للفحص الطبي العسكري "احتراما للحد الأدنى من الإنسانية" لضحاياهم،
والثاني هي صورة الحاكم العربي الذي لا يغادر السلطة إلا مخربا بالرصاص إلى القبر أو هاربا محميا بدولة "تقاعد الطغاة"، قبل 1400 عام ثمة أمير عربي سألوه "لماذا لا تبني بيتا لك؟" قال: "بيتي هو بيت الإمارة أو السجن"، هل يتحمل الحاكم العربي مغادرة السلطة والعودة إلى حياة عادية، يركب دراجة ويذهب إلى السوق؟ مستحيل،
دخلت سوريا مرارا، في كل مرة كان هناك شيء عملاق لحافظ الأسد في طريق حلب اللاذقية أو صور عملاقة لبشار أو لأخيه الذي قتله عمه في كل مكان، صور عملاقة لأشخاص غير بشريين بنضارات شمسية أمريكية ولا ينوون الخروج من السلطة أحياء أبدا وليست لهم أية طريقة لذلك غير بارجة حربية لقوة غاشمة أو الموت، بشار الأسد نفسه تفاوض معه الروس لإخراجه من سوريا وحمايته تماما لديهم لكن أهله رفضوا فرض مثل بن علي لكي يضرب تمثاله بالأحذية، إنما أية نهاية الآن؟ الروس أنفسهم اكتشفوا أن كلفة بقائه في السلطة أكبر مما يمكن توقعه، أكبر من تحويل سوريا إلى بلد سعيد وفيه ثروة واستثمار،
مرة سألت صديقا جامعيا عن موقفه من جريمة مدينة حماه في سوريا التي خلفت بين 20 ألف و40 ألف ضحية بين أطفال ونساء وشيوخ بقيادة شقيق حافظ الأسد (مسألة عائلية)، قال لي: "يستاهلوا، حتى لو كانوا مليون شخص"، لذلك بقي حافظ الأسد في الحكم حتى نفق ثم ورث الحكم ابنه الذي فعل ما ترون منذ حوادث درعا في 2011: ثمانية ملايين بين مهجر وقتيل وهاهي تعود، ومنذ بضعة أعوام سألت زميلا في الصحافة يزعم أنه حاصل على شهادات جامعية من سوريا عن الحل لأزمة الإسلاميين في تونس فقال دون تردد: "المحق"، قلت له: "لكن الدولة لا تقدر على ذلك، هذا مكلف إنسانيا ولا أحد سيتحمله"، قال: "جبناء، لا غير"،
إيه، وقتها تفهم كيف يغلق الحاكم العربي على نفسه طريق الخروج من أحابيل إدمان السلطة، فيمعن في القتل والقمع محاطا بمستشارين قتلة مثل بن علي، أما أنا متأكد أن بن علي كان يرغب في مغادرة البلاد مقابل ضمان أمن أسرته وكانت ثمة ترتيبات لضمان مصالح أقاربه لنقلها خارج البلاد، أي، لكن المستشارين القتلة والكرانكة والثيران التي لم تنجح في اجتياز المرور إلى الأبقار فوق الأسلاك الشائكة هي التي منعته من ذلك، وين المشكلة؟ إننا في زمن الكرانكة من صناع الطغاة وإغرائهم بالنبوة والمجد والحكم الأزلي وقمع أي رأي مخالف،