وما دمنا في معرض الكتاب، فيجب أن نتحدث عن فضيحة وطنية يخجل الجميع من أن يتحدثوا عنها علنا: في تونس، بعد أن يتقاتل الكاتب وحيدا لأشهر وربما أعوام مع نص كتابه (لنفترض أنه كتاب جيد) يذهب إلى الناشر، فيقول له: تعطني 3 آلاف دينار، نطبع 500 نسخة (يبيعها ناشر لبناني أو سوري في معرض واحد)، نعطيك منها مائة نسخة لتبيعها بمعرفتك: تغش بها أقاربك وأصحابك، تدور بها المقاهي والحانات أو تهديها مجانا، أمورك،
ثمن الغلاف 17 دينارا، إذا كنت بائعا جيدا، سوف تستعيد 1700 دينار وتصبح مشهورا وتلتقط صورا مع الناس تفتخر بها يضع لك الناس صور القلوب وعبارة "موهر يا معلم" وتدغدغ غرورك، إذن لماذا يصلح الناشر في تونس؟
هو في أغلب الحالات وسيط طباعة، لذلك تحول أغلب الكتاب النبهاء إلى ناشرين ليستفيدوا من امتيازات النشر وإنفاقات الوزارة، حيث لا تحتاج رأس مال أو ضمانات ولا والو، عمليا أنت داخل في الربح خارج من الخسارة وإذا اشتكاه كاتب للقضاء فسيحتاج إلى سبع سنوات وآلاف الدنانير بين الاختبارات والمحاماة ليحصل على حكم مدني نهائي، يكون وقتها الناشر قد غير اسمه، وزارة الثقافة ومؤسساتها لا تعترف بالكاتب بل باتحاد الناشرين في شراءات الكتب والدعم على الورق،
حسنا، لنعد إلى دور الكاتب والناشر، يقول الكاتب الكبير غبريال غارسيا ماركيز إن دور الكاتب الوحيد هو أن يكتب نصوصا جيدة وليس أن يلاحق كتابه للدفاع عنه أو تفسيره، ودور الناشر في كل مجتمعات العالم هي أن يبحث عن الكاتب الجيد ويستحثه وأن يدفع له مبدئيا عند إمضاء عقد النشر 12 بالمئة من ثمن الغلاف وأن يتولى طباعته والتبشير به على نفقته وأن يعرضه على النقاد والصحفيين ومنتجي الدراما ومنظمي الجوائز ويعرف به ويوفره في المعارض والمكتبات، يتعهد الناشر أيضا بإضافة منح مالية للكاتب عند حصص الإمضاء أو المشاركة في الندوات والمعارض والتظاهرات الثقافية،
الآن لا الناشر يبحث عن الكاتب الجيد ولا والو، يبحثون عن كاتب عنده 3 آلاف دينار مقابل 500 نسخة وكفى الله المؤمنين شر القتال،