أي شخص يقول لكم إن الانترنيت أو فايسبوك أو تيكتوك قضت على مهنة الصحافة أو الإعلام فقولوا له: "أنت لا تعرف الصحافة آش دخلك فيها؟"، لقد تعودت مهنة الصحافة منذ قرنين على تطوير نفسها وإعادة اختراع نفسها أمام الراديو والتلفزيون ثم الانترنيت،
أعطيكم مثالا: إدوي بلينيل، كان رئيس تحرير صحيفة لوموند لما دخل حرب تكسير عظام ضد الدولة الفرنسية وفضح مخابرات الرئيس ميتران يتجسس عليه وعلى صحفيي لوموند، كبرت العركة فاستقال وأسس "ميديابارت" موقع يقوم على صحافة الاستقصاء مقابل اشتراكات موقع الانترنيت، اليوم: أغلب وسائل الإعلام الكبيرة تتمعش من عناوين ميديابارت التي تحقق مرابيح ضخمة دون سنتيم واحد من الإشهار، تراهن فقط على الأجناس الصحفية، هل يعرف أصحاب المؤسسات الإعلامية التونسية الأجناس الصحفية أصلا؟
إن توقف أية مؤسسة إعلامية من حيث المبدأ هي خسارة فادحة لاختلاف المجتمع واختفاء زاوية رؤية ومعنى لما يحدث في عالمنا، ومع واجب التضامن مع الزملاء المسرحين وحقهم القانوني في التعويض المالي، فأحيانا تقول: "إلي يموت من الشواطين يخفف على الملايكة"، لأنها لا تملك من أسباب البقاء والمنافسة باتجاه الأفضل شيئا، يغلق حانوته أفضل من بيع الكاسارونات والمراهم المزيفة أو المراهنة على قصص الجنس وتلفزة البوبالة خوفا من أن يعرّي علينا يوما ما نفسه بحثا عن الفلوس،
أحب أن أحيلكم على سؤال منهجي لفهم الإعلام التونسي: "من هي المؤسسة التي يقف وراء تصورها وتكوينها وتسييرها صحفي محترف قضى الحد الأدنى الضروري ليكتسب صفة رئيس تحرير (17 عاما دون عقوبات مخلة بالشرف المهني وفق قانون الشغل) ووضع لها مقاييس صناعية للاعتماد على الأجناس الصحفية؟ أعطوني صاحب مؤسسة واحدة يفهم الفارق بين الريبوتاج والحوار والعمل الاستقصائي أو يقدر على إعطاء تعريف صناعي لمهنة الكرونيكور الذي يستنجدون فيه بشذاذا الآفاق والفاشلين في مهنهم الأصلية لشتم خصومهم وترتيب علاقات الابتزاز؟ مرة ثمة واحد حال حرب ضد نقابة الصحفيين لأنها لم تمنحه انخراطها، قاري حاجة تشبه الغسيل بالشائح وعنده عامان خبرة في موقع أنترنيت، لا يفرق بين الخبر والتعليق ويعتبر نفسه رئيس تحرير مؤسسة إعلامية،
الكثير من المؤسسات الإعلامية قامت على الخنن والأفاريات منذ أول زمن بن علي، كان يخيّر من يخدمه بقمع خصومه بين رخصة شراب (ما تزال أكبر مصدر للإثراء السريع) أو رخصة جريدة مع تعليمات بالإشهار العمومي، أي، وفت سبالة الإعلام العمومي، هل لديكم مشروع آخر للاستمرار؟ بعد الثورة نشأت سوق الإشهار السياسي، أي، انتهت فلوس السياسة وحروب النقابات وهرب من هرب وذهب كثيرون إلى الحبس وزحفت مواقع الإخبار الفوضوية لا يحسنون حتى كتابة البرقية الخبرية أو رد الخبر، هل لديكم بنزنس بلان؟ ما لا سكر وخلي الناس تفتش لنفسها عن بدائل إعلام، مالا القلب والعفرت، الي يموت من الشواطن يخفف على الملايكة، لن يعجز هذا الوطن الحزين عن إنتاج بدائله الصحفية الحقيقية،