أنا حضرت منذ أكثر من عشرين عاما، أربع ندوات صحفية حول "إطلاق محتمل" لمدينة بوخاطر الإماراتية التي وصفت منذ بدايتها قبل عشرين عاما بأنها "مشروع قد السخط" على حد وصف بعض الصحافيين الكبار المختصين في الترويج، انتهت كلها إلى النسيان لأن الاستثمار الوحيد فيها كان في ثمن حضور الإعلام غير المختص في الاقتصاد، وكما ترون فإن الوصف الاقتصادي لاستثمار "قد السخط" يعطي فكرة عن عدم الاختصاص أصلا،
يعني العالم كله يتجه إلى الانكماش الاقتصادي والهرب إلى valeurs refuges مثل الذهب والمعادن والنفط، والجماعة كل خمس سنوات "يسخنون لنا الطبق القديم متاع مدينة بوخاطر"، دون أن يسأل أحد أسئلة منطقية: ماذا دفعوا ثمنا هذه الأرض التونسية؟ هل هي أرض احتكار لهم أم مفتوحة لغيرهم؟ من أين ستشرب هذه المدينة الأجنبية وكيف ستروي أكثر من 50 هكتارا من أراضي القولف الفاخرة وحدائق الأغنياء دون اعتبار الشقق في ظل ندرة الماء؟ أية مواد مدعمة ستستهلكها؟
اناس يستثمرون في الانتاج المستدام وفي الطاقات المتجددة وفي الفلاحة البيئية والسيادة على الغذاء والطاقة والعلم وناس تحتفل بالاستثمار المزيف في المضاربة على العقارات العمومية المجانية واقامات الاثرياء،
لكن ثمة زملاء، يفترض أنهم صحفيون يهتمون بأسئلتهم التي تلخص رؤيتهم الموضوعية للاقتصاد على الأقل، هاجوا وماجوا لأن صحفية طرحت سؤالا حول علاقة هذا الاستثمار بعدم الاستقرار السياسي في تونس، لا واسمع: اتهموها بالخيانة وثمة من دعا إلى إعدامها، على أساس أن مستثمري بوخاطر مجموعة من الهواة الذين خدعناهم يمكن أن يستيقظوا لمجرد سؤال من صحفية لأنهم لم يطلعوا مثل الجميع على تقارير أمك صنافة ومخاطر الاستثمار في بلد يرفض صندوق النقد الدولي إقراضه بسبب المخاطر المالية والاجتماعية ويفرض عليه موافقة النقابات على أي تفاوض حول قرض محتمل، الشعبوية تنتقل إلى الصحافة،
احشم، أنا متاع زيت وإلا سكر وإلا سميد؟
ماهو أنا عملت دورة أمس بين المساحات التجارية وعطارة الحوم المجاورة والحليفة، وانتهيت بعد حوالي ثلاث ساعات إلى ما يقرب من نتيجة عملية استقصائية محلية: ليس هناك تزويد أصلا بالمواد الغذائية الأساسية من السكر والسميد والزيت المدعم منذ أسابيع والبيض منذ خمسة أيام، عاد انتهيت من الرحلة المضنية بأن جمعت شجاعتي لأسأل عطار الحومة: "بالله: حتى كان الحديث عيب، ياخي عندكش فكرة، أنا نقول مجرد فكرة، يعني من غير ما تغضب، على السكـ…"،
لم يتركني أتم العبارة: "احشم، خويا راك راجل كبير وكنت تخدم في الدولة"، أنا متاع زيت وإلا سكر وإلا سميد؟ توه تعرفني عندك ربع قرن، وبيناتنا ربي وأنا بو عايلة، تحب تركب لي قضية؟ أنا عندي زيت؟"، قلت: لا سامحني خويا، والله نسأل وبره خويا مش على حاجة، قال:"لا والله خسارتك، ما كنتش نتصورك تعملها معايا"،