هذه الصورة تختزل حقيقة عمق أزمتنا: نهاية "منوال" الدولة الراعية وبداية عصر "إلي حجّ حجّ وإلي عوّق عوّق" رغم أن الدولة تأخذ قرابة نصف مداخلينا بين ضرائب وضمان اجتماعي دون اعتبار بقية الضرائب المباشرة وغير المباشرة، حيث سيفشل أبناء الفقراء في الاستمرار وسيتوارث الأغنياء الشهائد العلمية وأمجاد مسك السلطة وإعادة توزيع الثروة.
بكل الطرق والمسوغات سوف يبدأ عصر نهاية دعم الدولة للخبز والعجين والوقود والكهرباء ثم العلاج والدواء، نهاية عبارات شعبية من نوع "ما جانا حتى مسؤول، ما أعطونا حتى شيء" وبداية عصر الدولة الناهبة التي تأخذ منا نحن الموظفون في الأرض قرابة نصف مداخيلنا لتنفق على نفسها وجماعتها ولا تعطي شيئا، في بعض مستشفياتنا، يطلبون من المريض توفير السيروم مسبقا،
لكن رحيل هذا المنوال لن يأخذ معه الجزء الحقير للدولة الوطنية منذ أن كانت تحتكر حق "منح" رخص المقاهي والدخان والحانات وتجارة الشراب السرية علنا، شهادات الحياة والفقر وحسن السيرة من العمدة والحرس إلى بقية احتكارات الدولة الوطنية في إطار "الولاء مقابل احتكار الثروة" وكان ما عملت شيء توه تروح بعد أربع أيام في القرجاني أو ثمانية أشهر في المرناقية، أقف دورية، وين كنت؟ وين ماشي؟ شكون معاك؟ شاركت في ا لاستشارة وإلا لا؟، مرورا برخص البارابول والتاكسيفون في التسعينات وصولا إلى رخص التوريد وتبييض الأموال بقوانين على المقاس،
نحن في زمن مفصلي: بين نهاية الدولة الاحتكارية الراعية وبداية الدولة العادلة، وهذا الزمن سيكون أعواما من الألم والجوع والتفقير والنقص في الأنفس والثمرات قبل أن يستقر الأمر حين ترفع الدولة يدها عن الناس الذين يبدأون في إعادة ترتيب حياتهم دون حاجة إلى هذا الاختراع البغيض الذي اسمه الدولة، وهذا لن يتم دون انقراض أحد اثنين: اليسار التونسي أو الإسلام السياسي،
لأني أرجو من الله أن يكذبوني ويتوقفوا عن الحروب الكلامية العبثية ويعثروا أخيرا على طريقة لإعادة تشغيل مصنع الورق من نبات الحلفاء في القصرين للتوقف عن توريد الورق الذي اشتعل ثمنه ولم تعد المدارس قادرة على توفيره لمعلميها وأساتذتها وتلاميذها، وهو أصل هذا المقال المزعج، تعبيرا عن الألم بسبب فشل هذه الدولة ونخبها وزنوسها،