قرأت هنا لكاتب عام جامعة النقل أن "شركة نقل تونس حاليا تملك 350 حافلة و27 عربة مترو فقط وأن العودة المدرسية ستكون كارثية"، لكن ليست هذه هي الفضيحة، بل حسب رأيي هو صمت المسؤولين على كارثة النقل العمومي مقابل استغاثة النقابات التي يفترض أنها تفهم في حقوق منظوريها وليس في حلول النقل والعتاد والخطط المديرية، ثم إن مشكل النقل في تونس ليس في عدد الحافلات، افرض أنك حصلت اليوم على 500 حافلة عصرية، فماذا ستفعل بها وهي "تتوعر" مثل البقرة وسط الفوضى الجهنمية للنقل في العاصمة؟
أنا "صحفي شايب"، حضرت منذ 1989 أكثر من 50 ندوة وملتقى وورشة حول أزمة النقل منذ 1989 ورافقت إطلاق مترو أريانة رقم2 حيث طرحت في الندوة الصحفية سؤالا سياحيا جعلني أبدو مثل المعتوه: "لماذا لم يكن الخط 2 تحت الأرض مثل أي مترو في العالم لتفادي تداخله مع الطرقات؟"، لم يجبني أحد، لكني عرفت فيما بعد أن شركة صينية لها خبرات كبيرة في حفر أربعة مستويات من أنفاق المترو في عدة مدن صينية، قدمت عرضا لشبكة مترو تحت الأرض في العاصمة، لكنهم رفضوها، وبقيت الحكاية في قلبي حتى قال لي أحد ما إن مترو تحت الأرض سيخرج عن سيطرة وزارة الداخلية لذلك رفضته، "فوق الأرض وحتى نغلبوهم"، بعدها، عندما أصبحت محطة الرمانة وما بعدها على الخطوط 3 و4 و5 فخا دمويا للمسافرين، قلت: "والله، يمكن كلامهم صحيح"،
أعتقد أني كتبت على الأقل عن أربعة مخططات مديرية للنقل في العاصمة منها تخصيص مداخل ومخارج للحافلات فقط ونقاط ترابط مع المترو، لم ينجح واحد منها، وفي منتصف التسعينات، ثمة مهندس طرقات اقترح تنفيذ التجربة اليونانية بحصر دخول السيارات إلى العاصمة حسب رقم التسجيل: يوم للأعداد الفردية ويوم للأعداد الزوجية مع خطية للمخالفين وهي كما ترون فكرة سخيفة جدا سيخترقها من كل له وجاهة أو علاقة بالسلطة من "غير المواطنين" وهم كثر، بل ستكون بابا للفساد والرشوة، مثل هذه الأفكار لا تنجح في بلد لا يتساوى فيه المواطنون أمام القانون،
مشكلة النقل في العاصمة ومداخلها هي الوقوف العشوائي للسيارات، وقد أوهمنا أحد ما أن الحل في شركات الشنغال، وبإمكانك أن ترى بالعين المجردة أنها أكبر كذبة في العاصمة حيث يطوف الشنغال مثل نسر عجوز بحثا عن سيارات الغرباء ومن ليست له وجاهة، وأنا أتذكر مهندسا بلديا صرخ في واحدة من تلك الندوات أنه علينا أن نسارع إلى بناء مآوي سيارت تحت الأرض في مداخل العاصمة عند محطات المترو، لكن الجماعة قالوا له بره شيت،
الطريف في النقل العمومي في العاصمة أن الازدحام انتقل من وسط المدينة ومداخلها إلى ضواحيها، حيث يمكن أن تتعطل الحافلة ربع ساعة في مائة متر في فوشانة مثلا لأن أحدا وضع سيارته أو شاحنته في قلب الطريق ليشرب قهوة "فيسع" في ظل غياب تام للقانون، ما يحدث يوميا في مفترق بن دحة هو جريمة وطنية علنية متفق عليها بين الجميع منذ 12 عاما تتكلف ثروة من الوقود والوقت، الناس يتقاتلون في المفترقات وينزلون لبعضهم أحيانا بالبونية ويفضون مشاكلهم كيف ما اتفق، تي هو شارع الحرية من ساحة باستور إلى محطة البساج يجعلك تحس أنه ليست هناك دولة أصلا، حتى في شارع محمد الخامس وأمام أنظار البوليسية وكاميرات المراقبة: اعترضنا واحد معتوه في الاتجاه الممنوع، والله تراجعنا لكي يمرّ دون أن يحاسبه أحد، بلد في حالة انفلات تام وأنت تقول لي عندك 350 حافلة فقط؟
ثمة حقيقة قالها لي مهندس في وزارة الطاقة: "ما ينفقه الناس من الوقود وكلفة الصيانة والمآوي على السيارات الشخصية يمكن أن يشتري لنا كل عام مترو فاخر مع سكته، دون اعتبار التوتر وما يضيع عليهم من الوقت والمصالح المهنية، تذكرت مرة، عام 2004 في ضاحية سان دوني شمال باريس، كان عندي صديق أستاذ جامعي يأتي من بيته على دراجة عادية ونلتقي في محطة بازليك، كنت أسميه "دكتور بسكلته" حتى استضافني مرة في بيته: عنده فيلا مع حديقة من 300 متر مربع مع مستودع فيه سيارة رينو اسباس 2003 افضل من طائرة ودراجة لكل فرد من العائلة، يعرف أين يقف ليربط دراجته في 10 ثوان في العربة الأخيرة من المترو المزودة بنظام لربط الدراجات وكان معدل انتظار المترو لا يتجاوز 5 دقائق، في ضاحية تعد أربع وسائل نقل RER, métro, bus et métro local، فكرت مرة في شراء دراجة هوائية للتنقل إلى العاصمة تونس، إن مخاطر الموت مسحوقا على عجلات شاحنة خضار ليس لها تأمين تفوق نسبة 50% سنويا، لن ينتبه إلى موتي أحد في فوضى الازدحام،