ثمة أشياء تعرف بالبديهة: عندما ترى تفشي الإجرام في الفضاء العام وجرأة الناس على القانون والدولة والتعايش المشترك، تسأل أين الحل؟ الأجوبة الخاطئة كثيرة وأشهرها أن "نعمل لكل مواطن بوليس"، أو أن نأخذ واحدا من المنحرفين في كل حي ونجعل منه عبرة للبقية بأن نجره حيا في الطريق العام على مدى خمسة أحياء سكنية على طريقة قتل عبد الإلاه بن علي الهاشمي، خال ملك العراق، (سحله الناس في شوارع بغداد ثم علقوا ما بقي من جثته على بوابة وزارة الدفاع)،
دعنا من الحلول المزيفة وتعال إلى الحق: ادخل إلى أية قاعة محكمة، وانظر كيف يجلس القاضي وراء 300 ملف قضائي يوميا وحاول أن تفكر كيف يمكن للإنسان أن يفصل في كل هذا العدد المهول من القضايا يوميا، حاول أن تأخذ نسخة تنفيذية من حكم قضائي بات حصلت عليه بعد نضال أعوام وأعوام، وإذا حصلت عليها، فانظر من ينفذها لك في ظل دولة عاجزة عن تنفيذ قراراتها أحكامها.
إذا كان السياسيون يريدون إنقاذ ما بقي من الوطن ومفهوم الوطنية والعيش المشترك تحت ظل القانون، فيجب أن يعودوا إلى مقولة ونستون تشرشل: "المجتمع يمكن أن يموت جوعا دون أن يثور، لكن انزعوا عنه العدالة، وسوف تخرج السكاكين"،
وعليه، يجب توجيه أغلب الميزانية القادمة إلى العدالة، انتداب القضاة وتطوير النظام القضائي، كما فعلنا مع وزارتي الداخلية والدفاع، عندما يقوم القضاء بدوره، كل ما بقي سيأخذ طريقه نحو الحل، ونستون تشرشل نفسه كان يتفقد عاصمته لندن المدمرة بالصواريخ الألمانية، ويستمع إلى التقارير المأساوية عن دمار الخدمات والمرافق، سأل عن حال القضاء البريطاني (الشهير)، قيل له إنه يشتغل كما عادته، قال: "طالما القضاء البريطاني بخير، فبريطانيا العظمى بخير"، وأنتم أحرار،